أهل الكتاب: أبدع بروفسور أحمد الطيب قريب الله عندما تحدث عن أهل الكتاب، وكان هذا في مقدمة لكتاب الأب الدكتور القمص فيلوثاوس فرج مسلمون ومسيحيون ، ولقد ذكر أولاً ما جاء في القرآن الكريم من إحترام لأهل الكتاب، ولكتابهم المقدس مثلما: 1. {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ* وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} سورة المائة الآيات 47. 2. َ{يُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ}سورة آل عمران48. 3. {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}العنكبوت46. 4. {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}سورة الأنعام الآية 20. 5. {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} سورة يونس 94. 6. {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ * هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ}سورة غافر الآيات 53-54. وبعد هذا دلف مولانا البروفسور قريب الله إلي المصدر الثاني من مصادر الشريعة الإسلامية وأتي بالأحاديث الشريفة. الأحاديث الشريفة: ويقول البروفسور قريب الله: نُحصي الأحاديث التي ذُكرتْ في (القبط) إِضافة إلى الحديثين الذين أوردهما الشيخ مفتي الديار المصرية عن أمِّ سلمة أمِّ المؤمنين ونقول. قال (ص): إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيراً . وهو صحيح على شرط الشيخين. وعَنْ عبد الرحمن بن مالك: قال. قال: (ص): إذا ملكتم القِبط فأحسنوا إليهم فإنَّ لهم ذمَّة ورَحِماً . وعَنْ أبي ذر قال: قال رسول الله(ص): إنكم سَتَفْتَحُون أَرضاً يذكر فيها (القِيرَاط) فاسْتَوْصُوا بأهلها خيراً فإن لهم ذِمَّةً ورَحِماً وقال(ص): إنكم سَتَقْدِمُون على قَوْمٍ جَعْدٍ رؤوسهم فاستوصوا بهم خيراً فإنهم قوةٌ لكم وبلاغٌ إلى عدوكم بإذن الله ، (يعني قبط مصر). وعن أمِّ سلمة، وهو الحديث الذي أورده مفتي الديار المصرية وقد أورده الهيثمي في مجمع الزوائد ج10 ص62 وقال رواه الطبراني ورجاله رِجَالُ الصَّحيح. هذا ولفظ (الرَّحِم والصِّهْر) الواردان في الأحاديث المذكورة أعلاه نَصَّ أهل الحديث أنَّ المراد ب(الرَّحِم) أمُّ سيدنا إسماعيل السيدة هاجر كما صرح بذلك الأزهري والنَّووي في شرح مسلم وكانت قد أُهديتْ لسيدنا إبراهيم عليه السلام والد الأنبياء والمرسلين (والصِّهْر) مَعْنِيٌّ بها السيدة مارية بنت شمعون القبطية، أهديت للنبي (ص) فأكرمها الله بأمومة سيدنا إبراهيم بن سيدنا رسول الله (ص) خاتم الأنبياء والمرسلين. وتحضرني قِصَّتَان أسطرهما لطرافتهما وهما يمثلان تَصَرُّف طَبَقَتَينِ من طبقات المجتمع السوداني وفيهما إشارة لاحترام النسب وتقديره وتعظيم شأنه. أولاهما أنَّ أحداً خطب لابنه مِنْ رجلٍ مِنْ عِلْيَةِ القوم فطلب منه والد المخطوبة أنْ يحضر إليه يوم كذا بتاريخ كذا وحدَّد له الساعة وطلب منه أنْ يُحْضِرَ أُسرته وعِلْيَةَ القومِ من قبيلته وهو كذلك سيحضر أسرته وقبيلته ويدعوهم في ذات الوقت واليوم والتاريخ. وجاءت القبيلتان ووَقفَ والد المخطوبة مُرحباً بِزُوَّاره الذين يريدون مصاهرته بعد أنْ ذبح لهم وأطعمهم وأسقاهم ماءً فراتاً وقف قائلاً ومُحيِّياً ضيوفَه الكرام شاكراً لهم على تلبية الدعوة. ثم اتجه إلى أفراد قبيلته مُخبراً لهم بأن فلاناً بن فلان مِنْ أسرة كذا مِنْ قبيلة كذا قد طلب مصاهرة القبيلة في شخصه وأنَّ كريمته التي تَقَدَّمَ لها مخطوبةٌ مِنْ فلان وليس لها أخت يُقَدِّمها له. وطلب مِنْ أسرته والقبيلة أنْ يعامل هذا الرجل وأنْ تعامل أسرته وأنْ تعامل قبيلته على أساس أنهم أهل نسبٍ ومصاهرة لنا وأصبح هذا الأمر مُعَايَشاً في الأُسرتين والقبيلتين وشكر له نَسَابَتَه مَا طَوَّقَهُم به مِنْ فضل وخلق كريم. والثانية أنَّ رجلاً وجد دَابَّةَ والدِ زوجته مربوطةً في الشمس فحلَّ رباطها وذهب بها إلى الظل وأحضر لها ماءً وأبّاً (أي ما تأكله الدابة مِنْ قَشٍّ وقَصَبٍ وخلافه) (والأَبُّ) هذا مذكورٌ في القرآن الكريم قال تعالى: {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ* أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً* ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً*فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً* وَعِنَباً وَقَضْباً* وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً* وَحَدَائِقَ غُلْباً* وَفَاكِهَةً وَأَبّاً* مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} (سورة عبس:24-32 قال ابن كثير {وَحَدَائِقَ غُلْباً} أي بساتين وقال الحسن وقتادة غُلباً نَخْلٌ غِلاظٌ كِرام ... {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} أما الفاكهة فكُلّ ما يُتَفَكَّه به من الثمار قال ابن عباس الفاكهة كل ما أُكِلَ رُطَباً - والأبُّ ما أَنْبَتتْ الأرض مِمّا تأكُله الدَّواب ولا يأكله الناس (الجزء الرابع ص 472). أرجعُ وأقول لقد سأل الرجلَ صديقُه عنْ فعلته هذه فأجاب: والله ناسْ فلانْ ديلْ مِنْ أنا خطبتَ بنتَهم لا أستطيع أنْ أرى دَابَّتَهُم في الشمس فلا أُحَوِّلُها إلى الظِّلْ ولا ظمآنة أو خلافه (إلاَّ أطعمتُها وسقيتُها) ويقول: واللهِ الرسول (ص) أكرم النسب ونحنُ على سُنَّتِه وهو القائل صلى الله عليه وسلم. إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيراً فإِنّ لهم ذمة وَرَحِماً. فلا بد من احترام النسب مَعَ أُسْرَتَي أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم وخاتم الرُّسل سيدنا محمد صلى الله عليهما وسلام. لقد ورد لفظ القبط والقيراط فلا بد من إِلقاء الضوء عليهما. وعليه أقول: (قبط) اسمُ أَحَدِ أَحفاد حَام بن نوح عليه الصلاة والسلام و(القِبط) اسمٌ يطلق على سَاكِني (مصر) قديماً. وفي معجم البلدان أنَّ هذا الاسم يطلق على مَنْ لم يدخل الإسلام وبَقِيَ على نصرانيته. ومَنْ دخل الإسلام فإنهم ينسبونَه إلى (مصر) ويقولون (مصري) وإن كان قبطي الأصل. (والقيراط) جزء من الدِّرهم والدِّينار وكان أهل مصر يكثرون من استعماله والتَّكَلُّم به وعندهم كل شيء قابل لأن يقسم على أربعة وعشرين قيراطاً