مدخل: أستاذنا مصطفى أبو العزائم تناول في عموده الراتب «بعد.. ومسافة» بعدد الثلاثاء 26 مارس موضوعاً بعنوان « نساء في واجهة الأحداث».. والذي جرفني إلى مرافئ تاريخ الحضارة النوبية بملوكها وملكاتها وأمكنتها وثقافاتها وأحداثها.. في حقب ماقبل ومابعد التاريخ الميلادي. والنوبية مسمى «مكاني» وليس صفة بعينها، فهي مشتقة من كلمة «نوب» وتعني الذهب الذي تذخر به أرض النوبة منذئذٍ وحتى يرث الله الأرض وماعليها. والشاهد أن تاريخ الحضارة النوبية من حيث التناول المعاصر لها يشوبه الإلتباس، والتباين والتحوير والطمس ولازم ذلك القصور والإهمال للمحافظة على ماتبقى من أثارها مما هو مكتشف أو ماهو مازال كامناً في جوف الأرض. بانوراما نوبية كل الأسماء التي عرف بها رموز الحضارة النوبية من ملوك ومليكات هي في واقع الأمر مسميات «وصفية» وليست أسماء حقيقية.. على سبيل المثال لا الحصر لمدلولات المسميات النوبية: بعانخي «الملك الخالد» ... تهراقا «جليس العرش»... تحتمس «الفتى الجميل»... تود عنخ آمون «الملك الذي مات يافعاً»... نفرتيتي «مالكة الذهب» ... كيلو باترا «راعية الجيوش » ... أمنق ريناس قوري «مروضة انسياب ماء النيل على الأرض». الفرعونية تستوجب إشارة بإيجاز لعصف ذهنية القارئ الكريم ... « فرعون » اسم نزل من المولى عز وجل بقوله تعالى «اذهب إلى فرعون إنه طغى» وهو توجيه رباني لسيدنا موسى عليه السلام.. النبي النوبي. فالنوبية والفرعونية كانتا مسمى لنظام الحاكمية وليست أسماء لأشخاصٍ بعينهم . النوبية كحضارة هي أم الحضارات الإنسانية تمددت في فترات من حقبها المتعاقبة.. من شرق ساحل البحر الأبيض المتوسط إلى سنار جنوباً وتعرجت شرقاً في حقبٍ متقاطعة معانقةً مملكة أكسوم في أثيوبيا. النوبية من حيث الديانات تفاعلت إيجاباً مع كل الرسالات السماوية المتتالية من اليهودية مروراً بالمسيحية وانتهاءاً بالإسلام خاتمة الرسالات السماوية. النوبية من حيث «اللغة» تعتبر بدورها أم اللغات الإنسانية من هيروغليفية ولاتينية وعبرية واللغة النوبية المعاصرة فقدت نسبة أكثر من 40 % من مكوناتها.. الثاني: انحسار عدد أيام الأسبوع بالنطق النوبي إلى خمسة أيام بدلاً من سبعة لدى النوبيين المعاصرين اللذين لا تتجاوز ذاكرتهم أيام السبت «سمتي»..الأحد «تيراقي»..الإثنين «بوشنو».. الثلاثاء «بوشنون».. الأربعاء «بوشاني». وكان الأستاذ أبو العزائم بارعاً في تناوله موضوع «نساء في واجهة الأحداث» بانتقاء الملكه كليوباترا والملكه أمنق ريناس قوري «كنداكا» من أغوار التاريخ الفرعوني النوبي في سياق تناوله لرموز نسوية بارزه في تاريخنا المعاصر استاذن الأستاذ أبو العزائم في استرسالي لتناول هاتين الملكتين بحيثيات «المكان والأحداث» إذ كان لكل منهما دوراً وشأناً في التاريخ . أولاً: الملكة الفرعونية كليوباترا اعتلت كرسي الملوكية في شمال وادي النيل بتدبير من «الكهنه» لإزاحة الملك الفتى «تود عنخ آمون » بالإيعاز لها بأن له ميول ونوازع «توحيديه» ونفور من الملوك الألوهيين بصفات «إله النيل - إله الشمس - إله الحصاد - إله الحياة» وغيرهم فكان أن تمت تصفية الملك تود عنخ آمون مسموماً لتعتلي كليوباترا عرش الملوكية وتنشئ جيوشاً جرارة أشرفت على إمدادها ثانياً: أما الملكة «أمنق ريناس قوري» التي اعتلت عرش «مملكة كوش» جنوب وادي النيل بعد وفاة زوجها «الملك ترتيقاش» فقد ارتبطت سيرتها بمعنى مسماها أمنق ريناس قوري والكلمة أمنق تعني بالنوبية النيل و«قو» تعني الأرض والمسمي في مجمله يعني «مروضة انسياب ماء النيل على الأرض» لقدرتها على شق مجرى من النيل إلى حماماتها في إهرامات البجراوية بإبداع هندسي ما زال سره مكنوناً عجز كل منقبي الآثار عن اكتشافه. يرجح ارتباط كلمة «كنداكا» باسم الملكة أمنق ريناس قوري، ذلك لقدرتها الفائقة في إدارة مملكة كوش استناداً على اعتلائها العرش بعد وفاة زوجها.. وكنداكا بالنوبية تنطق «قندي آقا» وتعني إحسان الجلوس على العرش إذ أن «قندي» هي صفة توهض وتمكين أما «آقا» فتعني الجلوس. علي هوشة-رابطة أبناء القولد