بينما كنت أسير مع رغبة في تأمل الناس والأشياء.. تأمل الحياة.. أخيراً جداً وبعد هذا العمر.. اكتشفت إن الحياة جميلة.. وينبغي أن نعيشها.. يجب أن نحياها لا أن نبحث في قوانينها.. اكتشفت حقيقة آخرتا.. فآخرتا كوم تراب على نحو ما يقول حِسنا الشعبي الحكيم.. وأنا على أجنحة تلك المشاعر الإنسانية لمحت رجلاً يتحدث مع ابنه الصغير الذي كان يبكي.. ويحاول أن يمنعه من الإستمرار في البكاء.. إنت ما راجل.. في راجل ببكي؟ طبعاً إجابة السؤال نعم جميع الرجال يبكون. لكن هذه نظرية سودانية.. الراجل ما ببكي؟ ابتسمت ومضيت.. بعد شارع واحد.. كانت الأم تزجر ابنتها لأنها تضحك.. في بت بتضحك بالطريقة دي؟ يا ربي البت بتضحك بي ياتو طريقة؟.. لكن ما خرجت به نظرية أخرى مقابلة لتلك.. البت ما بتضحك وبين الرجل الذي لا يبكي.. أخذت أفكر في الأمرين معاً.. ربما نظرية الراجل ما ببكي تصاحب المواطن (الذكر) في عمليات تربيته منذ الطفولة. وحتى الحس الشعبي يذهب إلى أن ضحك الرجال بكا.. كما أن على الرجل ليس ان لا يبكي بل أن يضحك عوضاً عن ان يبكي.. أما البنت التي لا تضحك فقد عرفت معنى أن الجيل السابق من النساء والذي يُصِّر ويُلِّح على إرتداء الثوب.. عندما كانت المواطنة تضحك ففي الغالب تداري وجهها بالثوب. كناية عن الخجل.. فالضحك يصبح من الأشياء المخجلة. وتذكرت الرجل الذي كان يؤنب بنت أخيه. يابت بتتكلمي بي عين قوية.. زمان البت لما كنت تتكلم معاها.. تندقر خجلانة خجل شديد.. فباغتته بسؤالها:- عليك الله يا عمي الكلام البخجل ده شنو؟ عموماً يصبح البكاء من الأمور العسيرة على المواطن السوداني.. لذلك فالرجال غير مدربين على البكاء لذلك حين يبكون لأمر جلل (يجعرون ويصرخون) وتلك الطريقة غير الخبيرة تجعل البكاء الرجالي قبيحاً.. في حين أنهم عندما يضحكون والضحك مشروع، تجلجل ضحكاتهم وتسمعها من على البعد. والبعض يصاحب الضحك برفسات وتنطيطات.. (ويتخجه كلو) لأنه مدرب على الضحك.. أما المرأة فهي خبيرة بالبكاء.. فالبكاء مشروع عند المرأة.. لذلك تبكي في رقة وإن تكلمت فهي تُعدد في سجع يقطع نياط القلب.. الليلة يا الخزين.. الليلة يا الحنين.. أو في البكاء الحار تسوي (الحي ووب) وهي ذات إيقاعٍ موزون.. وفي نغم يمكن ان يدخل نطاق فنون الأداء الغنائي السوداني. وقد فطن شعراء الأغنية إلى قيمة الضحك عند المرأة.. فهم يحرضونها على الضحك.. أو في فعل أمر: أضحكي.. أو في تصوير يضج بالحركة: لما تضحك يا جميل.. وهناك ظاهرة في شعر الشاعرات اللواتي يكتبن القصيدة العامية والأغنية.. وهي تحويل الرجل الى (حاجة) فهن يقلن على سبيل المثال بتنفسك.. بتشهقك.. بتخللك.. وبتعطرك.. على غرار ذلك أتوقع من الشعراء الزملاء للشاعرات: ان يكتبون.. بضحكك.. وبتبسمك.. وبقهقهك.. والغناء أيضاً جعل الشعراء يتحدون الدموع (ألف أهلاً يا دموع) (يا عيوني أبكي دمع الدم) أو يتوالفون معها (الدموع دايماً حبايبي). أعتقد أن الموضوع يجب أن يسير سيره الطبيعي فلا البكاء عيبٌ على الرجال.. ولا الضحك عيب على البنات.. وأقترح ان تعمل مدارس الأساس حصة أسبوعية للبنات اسمها حصة الضحك.. وتضحك فيها البنات على سجيتهن.. وبالمقابل حصة للأولاد أسمها حصة البكاء.. وفيها يتدرب الأولاد على البكاء بحيث هو تطهير.. الى ان تصبح الأمور عادية جداً. ويكون الضحك مشروعاً للجنسين. على شرط ان لا يميت الضحك القلب.. وان لا يكون البكاء على الذات ورثاء لها.