سؤال نطرحه على مجمع الفقه الإسلامي ، فالهيئتان إذا اكتالتا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون. هذا واضح فالهيئة القومية للكهرباء تأخذ الثمن مقدماً، وتمنع المستهلك من الاستمتاع بالإمداد المستقر والمستمر من الكهرباء فتقطع الإمداد متى شاءت وتعيده حسب رغبتها، وعلى الرغم من أن كمية الكهرباء المشتراة تظل باقية في العداد إلا أن الهيئة تحرم المستهلك من الاستمتاع بها وهو الذي اشتراها ودفع ثمنها مقدماً للهيئة وبسبب هذا الانقطاع تتعرض المواد الغذائية المحفوظة في الثلاجات والمبردات الأخرى للتلف، وكذلك الأدوية التي لا تصلح إلا بحفظها في ثلاجة، فيخسر المستهلك غذاءه ودواءه، وقد يعود إلى الشراء مرة أخرى.. لم تتغير أوضاع الهيئة القومية للكهرباء بذهاب السيّد مكاوي محمد عوض ومجيء السيد أسامة عبدالله وزيرًا للكهرباء والسدود وهو مهندس سد مروي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، وقالوا إن بدخول الكهرباء المنتجة من سد مروي تزول مآسينا ومعاناتنا ونترك وراءنا القطوعات والإخفاقات التي كانت تسند الى نقص الكهرباء المنتجة في محطة التوليد في خزان (الروصيرص) ، تارة بانخفاض منسوب النيل، وتارة بارتفاع منسوب النيل في زمن الفيضانات، وكأنه الخزان الوحيد في هذا العالم المُشيد على نهر يفيض وينخفض، وقد ظل السودان يعاني من موضوع قطوعات الكهرباء لأكثر من ثلاثين عاماً، ولأن من سد مروي يتم توليد ألف ومائتين وخمسين ميغاوات من الكهرباء إضافة الى سبعمائة وخمسين ميغاوات كانت منتجة قبل دخول محطات توليد سد مروي العمل، فأصبحت الكمية الآن ألفين ميغاوات، ورغم ذلك تستمر القطوعات لأن الهيئة تمنع بما معروف عند رجال القانون باسم (عقد الإذعان)، في دولة فيها سلطة قضائية ووزارة للعدل ونقابة للمُحامين، فما لم تعيد وزارة العدل النظر في عقد الإذعان عند هيئتي الكهرباء والماء فإن الأمر لن يستقيم أبدًا، ومن هنا أدعو جمعية حماية المستهلك إلى البدء في حملة ضد عقد الإذعان هذا، ولا ندري هل ستتمتع شركات الكهرباء التي ستنشأ بدلاً عن الهيئة القومية للكهرباء بعقد الإذعان أيضاً، وقد سبق لي أن تحدثت عن عقد الإذعان هذا في مقالات سابقة وأعيد الحديث عنه تذكيرًا للرأي العام نسبة لما يلحقه بالمستهلك من أضرار بالغة، فالكهرباء لم تعد من وسائط الترف بل أصبحت من ضرورات الحياة وما شابها ودخلها في هذا الزمان من تقنيات جعلت كل جمع المؤنث غير السالم من الضرورات: ثلاجات، تلفزيونات، راديوهات، كمبيوترات، ومكيفات، وهلمجرا. يتم استخراج وتوليد الكهرباء من الماء ثم تصبح عدوا للماء فلا تتفقان أبداً إلا على مواطن ولاية الخرطوم (أنا وابن عمي على الغريب) والغريب عندهما هذا المواطن المسكين المغلوب على أمره، وهما ضده لأن انقطاع الكهرباء وانقطاع الماء لا يأتي إلا في الصيف الحار عندما تكون الحاجة ماسة إليهما فتتعذران بأعذار واهية مثل ارتفاع الاستهلاك وزيادة الطلب وهو أمر عادي متوقع في الظروف المحيطة بجو الخرطوم وبقية أجزاء البلاد.. في مداخلة في تلفزيون ولاية الخرطوم في برنامج (عصب الحياة) سألت المدير السابق للهيئة القومية لمياه الخرطوم عن كيف تشرب مدن مثل بكين وجاكارتا ولندن وباريس ونيودلهي وأخيراً القاهرة التي عدد سكانها نصف سكان السودان خمسة عشرة مليون نسمة وتصلها كمية قليلة من الماء وتتجمع في الخرطوم في موسم الفيضان في مثل هذا الوقت أكبر كمية من الماء في العالم فتشرب القاهرة وتعطش الخرطوم، إنها مفارقة عجيبة. عندما تسلّم المدير الحالي منصب المدير العام لهيئة مياه ولاية الخرطوم وعد بعدم تكرار مآسي قطوعات الماء في صيف هذا العام 2010 ووعد بتقديم استقالته إذا حدث ذلك، لكنّه للأسف لم يفعل . ومما يدخل هيئة مياه ولاية الخرطوم في زمرة المطففين مع توأمتها الهيئة القومية للكهرباء أنها تقطع الإمداد وتأخذ من المستهلك القيمة الشهرية كاملة وبالطبع ليس هنالك تعويض لما سلبته الهيئة من ماء منه فتنطبق عليها كلمة (يُخسرون) وفي الحالة الأولى (يستوفون) حسب تقديري إلى أن تصلنا الفتوى من مجمع الفقه الإسلامي الموقر. هيئة مياه الخرطوم قالت يوماً إن افتتاح محطة مياه سوبا هو الحل لمشكلة الإمداد المائي، وتم افتتاح المحطة واستمرت القطوعات، ثم ذكرت أن محطة مياه جبل أولياء وبعد الانتهاء من بنائها ستقوم باللازم، وتم البناء وتم الافتتاح والحال كما هو، وأخيراً قالت الهيئة إن محطة مياه المنارة في شمال أم درمان هي الحل الشافي لمشكلة الإمداد المائي في ولاية الخرطوم وثم افتتاحها والنتجة لا تفوت على فطنة القارئ.. وللحق نقول إنه طرأ تحسن ملحوظ في إمداد الكهرباء في هذا الصيف ونأمل أن يستقر الإمداد ويستمر في المستقبل القريب فالقطوعات منفرة للمواطنين والمستثمرين كذلك وتضر بالقطاع الصناعي كضررها بالقطاع الخدمي وعندها تخرج الهيئة القومية للكهرباء من زمرة المطففين..