فى ليلة الإسراء كشف للنبى محمد(ص) كل ماتحتويه حجب الزمان المغلقة من حركة فى تاريخ أمته.سمع بغير مانسمع وأبصر بغير ما نبصر فرأى ما احتواه الزمان والمكان. وغفل الناس عن ما رأى وتساءلوا أبروحٍ أم بالجسد تم الإسراء؟ وتساءلوا عن القافلة التى ابصرها بالطريق؟ وعن الوقت الذى استغرقته رحلته. وقد أضاعوا (محمدا) فى ذلك اليوم كما لم يضيعوه من قبل ولكنه كان يحبهم ويحبونه. كانت عملية الإسراء فوق قدرات النفس والجسد، ولم تكن بهما، بل بكيفية ردها الله إلى نفسه مبتدئاً ب: (سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا الذى باركنا حوله لنريه من ءاياتنا إنه هو السميع البصير) ( آية 1/الإسراء)، وهو هنا لا يسبح (محمداً) ولكنه يسبح ذاته مسريا جاعلاً (محمداً) فى حال الإسراء الإلهى متعلقاً بالله من خلال العبودية المطلقة فى الإسراء وصل (محمد)(ص) إلى قمة القراءة الأولى وفى مجالها العلوى ( إقرأ باسم ربك الذى خلق) (آية 1 / العلق) وبقى عبداً منفعلاً لا فاعلاً فى حدود القراءة الثانية ( إقرأ وربك الأكرم) ( آية 3/ العلق). كانت تلك هى القمة فى القراءة الأولى ، دون أن ينزل الله إلى مقام الحلول فى العبد، ودون أن يرتقى العبد إلى مقام الوحدة مع الذات الإلهية . لقد رأى (محمد)(ص) بالله ،والرؤية غير النظر، قد رأى بالله وبنفس الكيفية التى طلب منه فيها أن يقرأ بالله. وتلك كانت قراءة (محمد)(ص) الكونية فى ليلة الإسراء..ولكنها قراءة العبد بربه ،حيث كان الله هو السميع البصير فى حالة الأسراء كله و محمد(ص) سميعاً بصيراً بالله كما هو قارئ به مسرياً به.ورأى آيات ربه وإمتدت الرؤية ( الايات من 1-9/ سورة الإسراء). جاء الإسراء كرؤية ماضية ومستقبلية للمنطقة التى بارك الله حولها بالأنبياء ،وليس بالماء والخضرة كما ذهب بعض المفسرين، والآيات التى نراها تتعلق بسباق التاريخ بمقدماته ونتائجه فى هذه المنطقة وبالأطر الغيبية التى تكيف صنعه. فى حراء كانت البداية، وفى الإسراء كانت القمة ، قمة ما وصلها أحد من الرسل والأنبياء ، ولا يصلها من بعده أحد، أبصر بالله وسمع فرأى . لقد إضطربت أفهام الناس وإختلفت منظوراتها بصدد ليلة الإسراء، ولم يستنطقوا الكتاب الكونى المحيط (القرآن) ، فأخطأوا فى الربط بين الأسراء والمعراج ولا علاقة بين الإثنين. ثم جعلوا من نبى الله موسى (وصياً) على محمد (ص) وموجهاً له فى المعراج الذى ربطوه بالأسراء .وكذلك أخطأوا حين ربطوا بين الإسراء أو المعراج وفريضة الصلاة، فبماذا يفتينا القرآن حول طبيعة تلك اقد تم الإسراء لاستكمال( ختم النبوة) و (تعميد بيعة) الأنبياء والرسل لخاتم النبيين بعد أن كانوا قد عاهدوا الله على إنجاز رسالاتهم (الحصرية) فى أقوامهم كمقدمة لرسالته العالمية الخاتمة (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لمآ اتيتكم من كتاب وحكمة ثم جآءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى قآلوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) (آية 81/آل عمران)، وقد كان موسى هو المتقدم (إماماً) على هؤلاء الرسل والأنبياء من قبل محمد(ص): (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك فى مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) ( آية17/هود). وذلك فى إطار نبوات الأرض (المقدسة). فقد تم العهد ووثق قبل أن يبعث الله الحياة الدنيوية فى أجساد الأنبياء، فكل الأنبياء يتميزون بخصائص الروح التى تختلف عن خصائص النفس التى هى مصدر الحياة، حيث الروح هى قناة إتصال بالملأ الأعلى، لذلك تنزل الأنبياء من عالم الروح إلى عالم الجسد و (معهم) تنزلت رسالاتهم. فكلاهما نزل أرواح الأنبياء ورسالاتهم وكان على هؤلاء الأرواح أن تجتمع فى ليلة الأسراء ليوثق إنفاذ العهد ، وليوثق (ختم النبوة). الحالة فى الأسراء أقرب إلى مفهوم (الخٌلة) كما كانت عليه العلاقة بين الله وإبراهيم. غير أن (الخلة) تحمل معنى التفاعل الثنائى فى العلاقة بمعنى (التوافق)، فحين يلقى إبراهيم بالقول فإن الله لا ينكره عليه، وإنما يوافقه عليه ويمده من نفس السياق : ( وإذ قال إبراهيم رب إجعل هذا بلدا آمنا وأرزق أهله من الثمرات من ءامن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم إضطره إلى عذاب النار وبئس المصير) (آية126/البقرة)ٍ . أما حالة( الأسراء) فإنها أرقى من مستوى الخلة، وتأتى بأكبر من التفاعل الثنائى فى العلاقة ولكن دون حلولية ، إذ إنها إرتقاء بقدرات الروح إلى مستوى ( الكشف الكونى) سمعاً و بصراً : (و النجم اذا هوى 1 ما ضل صاحبكم و ما غوى 2 وما ينطق عن الهوى 3 إن هو إلا وحى يوحى 4 علمه شديد القوى 5 ذو مرة فاستوى 6 وهو بالأفق الأعلى 7 ثم دنا فتدلى 8 فكان قاب قوسين أو أدنى 9 فأوحى إلى عبده مآ أوحى 10 ما كذب الفؤاد ما رأى 11 أفتمرونه على ما يرى 12 ولقد رءاه نزلة أخرى 13 عند سدرى المنتهى 14 عندها جنة المأوى 15 إذ يغشى السدرة ما يغشى 16 ما زاغ البصر و ما طغى 17 لقد رأى من ءايت ربه الكبرى 18 ) (النجم: ج 27). معنى الإسراء كان (الكشف الكونى) متضمناً الزمان فى مطلقه والمكان فى مطلقه حيث تحققت لمحمد (ص) خصائص إسمه المحمول (أحمد)، وبقول آخر تحققت له (ولايته الكونية).وليس للإسراء علاقة بالمعراج,لأن العروج يكون بتعالى الروح من وإلى الملأ الأعلى حيث عالم (الأمر الإلهى)، أى فوق عالم (الإرادة المقدسة) و فوق عالم المشيئة الموضوعية وحيث عالم الغيب الإلهى المطلق . وهو عالم لا يصعد إليه ولا يعرج إليه من الأرض (المقدسة) وإنما من الأرض (المحرمة) أى مكة والبيت الحرام كان الإسراء بقوة الروح المتعالية على البدن والنفس ولم يتحقق هذا المستوى الروحى لبشر فى الحياة الدنيا إلا لمحمد(ص) طبقا لمحمولات إسمه (أحمد) ، فهو المستخلف عن الله (كونياً) ، ولهذا جمع الله له بين القرآن كوعى معادل للوجود الكونى وحركته ، وبين إستخلافه على السبع سموات والسبع أرضين. وجمع الله بينهما كونياً وقرآنياً : ( وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلآ بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل85 إن ربك هو الخلاق العليم86 ولقد ءاتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم87 )(الحجر). إن الحلقة (الوسيطة) مابين الغيب الإلهى (الأزلى) وما دونه من مطلق قرآنى وإنسانى وكونى هو( جبريل) الذى يجسد الله فيه كوامن قوة الروح المتعالية. بهذه الروح المتعالية كانت علاقة جبريل بأحمد (محمد) (ص) ، فجبريل هو الذى تدنى فتدلى ، وما حدث وكان بالأفق الأعلى. لا علاقة لليلة الإسراء بفرض الصلاة ، حيث بدأت الصلاة فى الأرض ( المحرمة) ليلية ، وقبل الإسراء بعشرمن السنين، أى منذ نهاية السنة الأولى للبعثة النبوية أو بداية السنة الثانية فى المدينةالمنورة من بعد ما أضيف لها من ركعات ، فكان الظهران (الظهر و العصر). وقد ورد ذلك فى يوم الأربعاء من ربيع الثانى من السنة الأولى للهجرة. إن ربط توقيت فرض الصلاة بليلة الإسراء (خدعة إسرائيلية) انطلت على المسلمين ، و هى ليست مجرد خدعة عبثية ، و لكنه مقصودة. فقد أراد الإسرائيليون إظهار تقدم موسى بالعلم و المعرفة و الرحمة على خاتم النبيين ، ليس بقصد الإعلاء من شأن موسى ، و لموسى العلو بإذن الله ، و لكن بقصد التقليل من شأن النبى (ص) الخاتم و إظهاره بمظهر الملتقى عن موسى بما يبطل إمامة محمد(ص) لموسى عليهما الصلاة و السلام ، و بما يبطل نسخ القرآن للتوراة. هكذا قالوا إن الصلاة فرضت فى ليلة الإسراء حيث فرضها الله علينا (خمسين) ركعة فى اليوم لولا (إقناع) موسى المتكرر لمحمد (ص) للعودة مجدداً و أكثر من مرة إلى ربه ليخفض عدد الركعات ، و هكذا بوساطة موسى و توجيهه لمحمد (ص)- أصبحت صلواتنا خمس.هذا قول يجمع بين السخافة و البطلان ، فمحمد (ص) إمام موسى وليس العكس و شريعته القرآنية ناسخة للشريعة التوراتية ، و قد أخبر الله ، العليم الحكيم موسى و الإسرائيليين من قبل أن رحمته ، رحماناً رحيماً ، مقترنة بالنبى الأمى محمد (ص)( الآية 154- 157)(الأعراف).فمحمد (ص) هو القائم بالختامية و التخفيف. اللهم صل على سيدى أحمد صاحب الولاية الكونية والمؤيد بالروح القدس جبريل ، الذى أوتى السبع المثانى والقرآن العظيم أمام المسلمين وعلى آله وصحبه أجمعين.