أما بعد... فمن أولى أن يصدق؟ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وما رواه الثقات أمثال البخاري وابن عبد البر، أم الترابيزعم دكتور الترابي أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج أمنا عائشة رضي الله عنها وهي بنت سبع عشرة سنة، أو لعله أراد ثماني عشرة سنة، لأن هذه هي السن التي يسمح بها الكفار للزواج بالبنت، أما قبل تلك السنة فلا يسمحون لوليها بتزويجها. ولكن لها أن تستمتع بأصدقاء من الروضة فصاعداً. وحسب زعم الترابي يكون الرسول صلى الله عليه وسلم جلس مع عائشة سنة واحدة، لأنه عندما توفي عنها كان عمرها ثماني عشرة سنة وتوفيت 58ه وكان عمرها أربعاً وستين سنة. وزعم كذلك أنه تزوج خديجة دون سن الأربعين، ولم يأت بدليل واحد إلى ما ذهب إليه، إلا أنه زعم أنه من غير الممكن أن يتزوجها في سن الأربعين وتلد له سبعة من الأولاد والبنات أو كما قال. هذا ما زعمه الترابي واستحسنه بعقله سن عائشة عندما عقد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أما ما قالته عائشة عن سنها عندما عقد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنها عندما بنى بها ودخل بها كما رواه عنها الشيخان البخاري ومسلم في صحيحهما وغيرهما من أهل السنن: 1. عن عائشة رضي الله عنها قالت: (تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم أي عقد عليّ وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة، فنزلنا في بني الحارث بن خزرج، فوعكت فتمرق شعري فوفي جُميمةً، فأتت أمي أمُّ رومان، وإني لفي أرجوحة، ومعي صواحبٌ لي، فصرخت بي فأتيتها، لا أدري ما تريد بي، فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار، وإني لأنهج حتى سكَن بعض نفسي، ثم أخذت شيئاً من ماء فمسحت به وجهي ورأسي، ثم ادخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقلن على الخير والبركة، وعلى خير طائر، فأسلمتني إليهن، فأصلحن من شأني، فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى، فأسلمتني إليه، وانا يومئذ بنت تسع سنين) متفق عليه، البخاري رقم: [3894] ومسلم رقم: [1422] ج2/1038 -2. وفي رواية للنسائي قال: (أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا ؟أبو معاوية، قال: «حدثنا هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست، وبنى بها وهي بنت تسع» كتاب النكاح باب نكاح الرجل ابنته الصغيرة رقم: [3255] وقال محققه: صحيح. 3. -وفي رواية للنسائي كذلك عن عائشة رضي الله عنها قالت: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لسبع سنين ودخل عليَّ لتسع سنين) رقم: [3256] وقال محققه: صحيح. 2. -سن خديجة رضي الله عنها عندما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال حافظ المغرب ابن عبد البر رحمه الله وهو يترجم لأم المؤمنين خديجة في كتابه: (الاستيعاب في معرفة الأصحاب) )ج4/379 _ 380]: (ولم يختلفوا أنه ولد له منها صلى الله عليه وسلم ولده كلهم حاشا إبراهيم. زوجه إياها عمرو بن أسد بن عبدالعزيز بن قصي، وقال عمرو بن أسد: محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب يخطب خديجة بنت خويلد، هذا الفحل لا يقدع أنفه- أي لا يضرب أنفه إذا كان كريماً. وكانت خديجة إذ تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنت أربعين سنة، فأقامت معه أربعاً وعشرين سنة، وتوفيت وهي بنت أربع وستين سنة وستة أشهر. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تزوج خديجة ابن إحدى وعشرين سنة وقيل: ابن خمس وعشرين سنة. وأجمعوا أنها ولدت له أربع بنات كلهن أدركن الإسلام، وهاجرن، فهن: زينب، وفاطمة، ورقية، وأم كلثوم. وأجمعوا على أنها ولدت له ابناً يسمى القاسم وبه كان يُكنَّى، ثم عبدالله، ويقال له الطيب، والطاهر). لا غرابة أن تلد خديجة رضي الله عنها له صلى الله عليه وسلم أولاده كلهم إلا إبراهيم بعد سن الأربعين، بل بعض النساء يلدن بعد سن الخامسة والخمسين، فعادات النساء في ذلك مختلفة، هذا بجانب ما خصت به العربية وسيما القرشيات منهن بالإخصاب، فقد صح أن امرأة عربية ولدت لابن سيرين ثلاثين ولداً. وإن لم يكن هذا أو ذلك فهل يبعد أن يكرم الله خديجة بذلك؟ فقد أكرمها بما هو أكبر من ذلك ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب، وأرسل الله لها سلامه مع جبريل، وخصت على سائر نسائه بالبنين. أما بلوغ عائشة رضي الله عنها في سن التاسعة فقد كان أمراً طبيعياً في بني تيم فقد تميزت نساؤهم بالبلوغ المبكر. سن البلوغ عند البنات والبنين ليست سواء، فهي تختلف من بيئة إلى بيئة، ومن قبيلة إلى قبيلة، وعليه فإذا رأت البنت الدم بعد سن التاسعة فهي امرأة ويجوز لوليها أن يزوجها من كفء، رغم أنف الكفار ورداً لاتفاقية (سيداو). هذا هو الحق فماذا بعد الحق إلا التخرصات والضلال والاغترار بالأقوال؟! وأخيراً وليس آخر ما المصلحة من التشكيك في الثوابت والمسلمات التي تلقتها الأمة بالقبول؟ اللهم إلا تقليد الكفار ومنافقتهم المفضية إلى غضب الجبار. أعلم أخي القارئ أن الأمة لن تؤتى من قبل علمائها قط، وإنما تؤتى من قبل أهل الأهواء، واستصحب دائماً ما قاله الإمامان الكبيران محمد بن سيرين ومالك الإمام: (إن هذا العلم دين فانظروا ممن تأخذون دينكم). والحمد لله وكفى، اللهم ردنا إليك جميعاً رداً جميلاً، وهب المسيئين منا للمحسنين، واختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين، وصلى الله وسلم على الرسول المجتبى وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم إلى يوم اللقاء. رئيس الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بالسودان رئيس رابطة علماء المسلمين ليلة النصف من جمادى الآخرة 1434ه كتبه الأمين الحاج محمد أحمد