الحرب على الإسلام قديمة، بدأت مع دعوة التوحيد، وكانت حرباً شرسة، استخدم فيها أعداء الدعوة الجديدة كل أنواع الأسلحة المتاحة في ذلك العصر، وظل اليهود يتحينون الفرص للقضاء على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأشعلوا نار الفتن التي لم تنطفيء حتى يومنا هذا، وظلوا يضعون بيت المقدس نصب أعينهم، ويحيكون المؤامرات للقضاء على أية دولة إسلامية قوية موجودة محتملة، وأخذت الأمبراطورية الإسلامية في التحلل والتفكك بسبب المؤامرات والفتن الداخلية والحروب ومحاولات التدمير العقائدي والفكري. زالت دولة الخلفاء بمقتل الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في رمضان سنة 40 هجرية الموافقة لسنة 661 ميلادية، لتنشأ دولة بني أمية رسمياً في سنة (41) هجرية والتي امتدت حدودها في عهد الخليفة العاشر هشام بن عبد الملك لتصل أطراف الصين شرقاً، وجنوب فرنسا غرباً وتمكنت من فتح أفريقيا والمغرب والأندلس، وجنوب الغال والسند، وما وراء النهر، لكنها واجهت الفتن التي أغرقتها في الدماء لتزول وتسقط سنة (138) هجرية الموافقة لسنة (755) ميلادية لصالح الدولة العباسية التي قويت وترامت أطرافها وازدهرت فيها العلوم والآداب والفنون، لكن الفتنة لحقت بها وبرزت الحركات (الشعوبية) وظهرت حركات انفصالية مثل (الأدارسة) و(الأغالبة) والحركة الفاطمية، ومع ذلك الخلاف الحاد هاجم القائد التتري هولاكو بغداد وعاث فيها فساداً يحفظه التاريخ إلى يومنا هذا ليعلن انتهاء الحكم العباسي سنة 1258م، ليبدأ عصر التشرذم وقيام الممالك الصغيرة إلى أن قامت الدولة العثمانية، التي واجهت المكائد حتى من داخلها تارة باسم (التتريك) وتارة باسم (القوميات) التي تريد الانفلات من قبضة السلطان العثماني، إلى أن زالت هي نفسها بعد ستمائة عام استمرت من (27 يوليو 1299م) حتى (29 أكتوبر 1923م) على يد مصطفى كمال أتاتورك الذي وقع معاهدة (لوزان) الشهيرة وتنازل بموجبها عن كل أراضي الدولة العثمانية غير التركية، ثم جرّد الخليفة من السلطة الزمنية وجعله (خليفة) أقرب للرمز أو (شيخ الإسلام) لكن من غير سلطة روحية حتى، ثم ألغى الخلافة تماماً عام 1924م وطرد الخليفة عبد المجيد من البلاد. من المفارقات أن شعراء العربية والإسلام تباروا في مدح أتاتورك، وأسماه بعضهم (خالد الترك) مطالبين إياه بأن يجدد (خالد العرب).. لتبدأ مأساة التدهور التي أريد من خلالها أن (تتشقق) خارطة الدولة الإسلامية الموحدة، وتبدأ بعد ذلك الأيدي الخفية في اللعب من وراء الستار، تشعل الصراعات الطائفية والمذهبية والعقائدية، وتؤجج نيران الخلافات ليرفع المسلم السلاح في وجهه أخيه المسلم رغم (الشهادة) التي ينطقها الجميع وكلمة التوحيد التي يتفقون عليها، ويصبح المجال خصباً لنشوء الجماعات التكفيرية المتشددة التي يئس المنتسبون إليها من كل صلاح أو إصلاح. ما يجري في (دار السلام) ليس غريباً أو مستغرباً، فهو من صنع أيدينا وإن فكّر فيه غيرنا.