ليست هذه الأيام بمظاهر احتفالية بانعقاد المؤتمر الدولي للتغيرات المناخية بكوبنهاجن، والمتولدة عن تصاعد معايير الانبعاثات الغازية، وسائر العوامل الناشئة عن التصرفات البشرية المؤدية لاطراد معدلات تسخين هذا الكوكب المنكوب، وإنما هي توقيت إنذاري بخطر محدق بالنوع البشري يكاد يكون مصيراً محتوماً بانقراضه، وانقراض سائر الحيوان التي تعايشه، وربما سائر الأحياء والأشياء. وذلك إذا لم يضع هذا المؤتمر الدولي برنامجاً استثنائياً لإنقاذ هذا الكوكب الذي يهلك حياته بنفسه. وهذا يعزز رؤية فكرية ثاقبة بنشوء مصالح عالمية مشتركة تتولد عن أخطار عالمية جماعية، فإذا كانت مصالحنا تتضارب محلياً وإقليمياً ودولياً، فهذه الأخطار تلغي النوع البشري بأسره في جناحها المظلم، مما يقتضي توحيد الاستراتيجيات العالمية لمواجهة هذه الأخطار العالمية التي ستصيب سائر الدول والمجتمعات، غنيها وفقيرها صناعيها وناميها، بكلمة واحدة: الحضارة، بكل تاريخها المشترك. ناقوس الإنذار يدق بصوت واحد: هل ستكون هذه الألفية الثالثة، بل هذا القرن الحادي والعشرون، بل العقود المعدودة منه، هي نهاية دراماتيكية لهذا النوع البشري؟ الحقائق تقول لقد استهلكت عقود القرن الماضي من الموارد المتجددة وغير المتجددة، ما لم تستهلكه القرون الطوال منذ التاريخ المكتوب للإنسان على ظهر هذا الكوكب. وذلك إذا لم يقرر مؤتمر كوبنهاجن الحد مما يبلغ معدله 50% من الانبعاثات الغازية الآن، الآن وليس غداً. ولذلك يبرز مفهوم التنمية المستدامة وهي التنمية التي تواءم بين النمو الاقتصادي والتوازن البيئي، حيث صار محتوماً أن نضع حدوداً لنمونا المفرط «حدود النمو» لا نتعداها جماعياً على الإطلاق. وهذا يقتضي تكييفاً للبعدين الآخرين، الاجتماعي والتكنولوجي، على أساس التوازن العالمي في توزيع الثروات، وحرية الانتقال للتكنولوجيات. وهذا يعني إعادة النظر في النظام الرأسمالي العالمي، القائم على البحث عن التراكم الربحي، دون اعتبار للبعد الإنساني للنمو. وقد كانت الأزمة المالية العالمية بمثابة إنذار مبكر لوقف الاقتصاد الورقي غير الإنتاجي، يتلوه الإنذار الماثل بالتغيرات المناخية، التي تهدد أول ما تهدد شمال أوربا وشمال أمريكا الشمالية، مع ذوبان الجليد في المحيط المتجمد الشمالي. أما الجزر فستكون على مرمى من فوهة الطوفان!! لقد دعوت في كتابي «تجديد حقوق الإنسان» الصادر عام 1995م، من معهد البحوث والدراسات الاجتماعية، إلى إنشاء حق جديد للإنسان، ربما يتقدم سائر حقوق الإنسان التقليدية، هو حق الإنسان في بيئة متوازنة. وهي دعوة مؤداها الحد الممرحل والمتسارع في نفس الوقت، من ظواهر انتشار المواد السامة والنفايات المشعة وتحميض مياه البحيرات وتدمير الغابات، والتلوث الكلي في طبقات الجو العليا، الذي يهاجم طبقة الأوزون ويحدث التآكل إن لم نقل الثقب في سمكها، وهي الطبقة الحامية للأرض من خطر الإشعاع فوق البنفسجي الصادر من الشمس. وفوق ذلك ظاهرة الصوبة التي تدخل الأرض كلها في بيت أشبه ببيت الزجاج جراء الانبعاثات الغازية، وعلى رأسها غاز ثاني أكسيد الكربون الناجم من حرق الوقود الأحفوري، كالبترول، مما يزيد من معدلات تسخين الأرض. هناك إذن حدود طبيعية للنمو، حيث أن الأرض ذات طاقة تحميلية محدودة، وطاقة إنتاجية محدودة، وطاقة امتصاصية محدودة. وأي إخلال بهذا التوازن البيئي يؤدي إلى الكارثة البيئية بكل نتائجها المأساوية على الحياة على ظهر هذا الكوكب. فالطاقة الأيكولوجية «البيئية» هي في حد ذاتها هشة التحميل، مما يقتضي تصرفات بشرية متوازنة مع هذا الإطار الحياتي الهش. الأنانية اللا إنسانية لجيلنا الراهن هي التي تهدد الأجيال المقبلة وتحرمها من عوامل البقاء. التشخيص للكارثة بسيط: احتباس حراري في الغلاف الجوي، أو تدفئة أو تسخين للأرض ناشئ عن الانبعاثات الغازية، أو غاز ثاني أكسيد الكربون، يرفع درجة ذوبان الجليد في المحيط المتجمد، مما يؤدي إلى ارتفاع منسوب مياه المحيطات والبحار، فيحدث تغييراً مناخياً مصحوباً بالأعاصير والفيضانات، تتطور إلى طوفانات من جهة، وإلى فصول من الجفاف من جهة ثانية وإلى ظاهرة التصحر من جهة ثالثة. هذا بينما العالم مشغول بهموم ثانوية، كالملف الإيراني النووي، وكالحرب الأفغانية، وكالحرب الديبلوماسية في ملف الشرق الأوسط، بل وبالأزمة المالية العالمية، بينما الدول الكبرى والصغرى مطوقة بخطر بيئي ماثل، من ظواهره تسخين الأرض، وهي مشغولة عنه بالشتاء النووي المحتمل احتمالاً بعيداً، من حرب نووية.. والله المستعان.