وما زلنا نخوض حتى الركب في نهر الدموع المتحدر كما السيل من عيون الجنرالات أولئك الأشداء الكواسر الذين لا تفزعهم ولا ترعبهم مواسير البنادق، ولا يجدون فرحاً ولا دعاشاً إلا وهم سماء تشتعل بالجحيم.. و لكنهم يشتعلون وجداً وحباً وارتجافاً وصبابة وهم بين يدي الحبيبة.. وكأنهم يرددون بنخوض الرماح لو كان تزيد أو تقل ونخاف من ضميراً أهيف منفتل ونقابل المدافع بالثبات والعقل ونخاف سيف عيونو إن لمعت يضرب صقل والآن دعونا على جناح الطائر الميمون.. نذهب إلى جنرال سوداني لحماً ودماً وعظماً وشحماً.. نذهب إلى القاهرة لؤلؤة أم الدنيا، والتي عمل ضابطاً ثم جنرالاً في جيشها العروبي.. لم يكتف بالدفاع عن أرضها وناسها بل وهب القاهرة.. اثنين من أبنائه.. ضباطاً مقاتلين في صفوف قواتها المسلحة.. وهما يخوضان غمار المعارك حتى استشهد كليهما ليمتزج الدم السوداني بالدم المصري ويغوص ذاك الدم طاهراً ليروي أرض المحروسة.. إنه الجنرال عبد المنعم عبد الحي.. فارع القوام صارم القسمات.. يتيه زهواً في لباسه العسكري.. لا يفزعه دوي الدانات.. ولا ترهبه أمطار الرصاص.. ولا تهتز من رأسه شعرة من انهمار الرصاص المسكوب.. ولكنه يبكي في أسى وحرقة.. ودموع تصطخب.. وارتعاش ملتهب.. ألماً ووجعاً على نسيان الحبيبة.. والآن إلى نهر دموع الجنرال عبد المنعم عبد الحي يا ناسينا.. يا ناسينا إلام البين الاما متين الموج يرسينا على بر السلامة.. ويبحر في نهر الأحزان.. والهواء يملأ الشراع.. والقارب يشق الموج موج الدموع تحت ضربات المجداف.. وتنفرط خيمة الأسى والفجيعة والنواح والبكاء.. و.. يا ناسينا وزاد الهم مباكينا بذكراك ونحن الكم ذكرناك وطريناك وانت بعيد سعيد بي قلبك القاسي وقلبي وحيد شقيت بين كاسي وبين ناسي ناس في المرة جافونا وبكرة الحلوة بتجينا.. وهل نذهب إلى الجنرال عوض أحمد خليفة.. وهل هناك مناحة أشد هولاً من «عشرة الأيام».. وهل هناك حنظلاً وعلقماً من طعم الهزيمة.. إن الحديث عن هذه القطعة الأدبية المسربلة بالأسى يفسدها، وتعالوا نذرف معه دموع المواساة ونتمرغ معه رماد الحزن و.. ما كان فراقنا المر في نيتي أو في ايدي لكن قيودك ابت قست ظروفي عليّ واتلاشت الأحلام وين حسن ظنك بيّ وريني ايه ضراك لو كان صبرت شويه عمر السنين أيام.. والآن نسألك يا جنرال.. لو صبر ذاك المحبوب «شوية» هل كانت عيوننا تصافح روعة الحروف وبهاء الكلمات التي رسمت في أناقة وابداع عشرة الأيام؟