جرى حوار يوم السبت الماضي مساء بقناة الجزيرة بين الدكتور الدخيل الإعلامي والمفكر والناشط السعودي وميرزا علي الملحق الثقافي الإيراني السابق في بيروت. وكان الميرزا علي يتكلم عن ضرورة التعاون بين إيران وجيرانها الخليجيين، ويؤكد إنه لا يمكن أن تكون هناك وحدة عربية إسلامية لا تكون السعودية جزءاً لا يتجزأ منها. وينكر الميرزا علي النور الإيراني في التمهيد للاحتلال الأمريكي للعراق، ويصرح بأن كثيراً من دول الخليج أصبحت عبارة عن ثكنات للجنود الأمريكان. وفي نهاية الحلقة يقاطع الميرزا علي محاوره دكتور الدخيل رداً على تحفظه على ما تقوم به إيران من تدخلات في المنطقة بالقوة العسكرية، وبالدعم المادي وبالجنود، وبتشجيع حزب الله بالتدخل السافر في قتال الشعب السوري جنباً إلى جنب مع قوات الأسد يصيح الميرزا علي بالدكتور الدخيل: من عدوكم إيران أم إسرائيل؟ وكررها مرتين وأظن الدكتور الدخيل قال في المرة الأولى إن عدونا الأول هو إيران، ولكنه عاد واستدرك بأن عدونا النهائي والاستراتيجي هو إسرائيل. أما أنا فبالرغم من أنني كنت مستمعاً فقط ولست مشاركاً باي حال من الأحوال، إلا أنني لم أملك نفسي من الإجابة بصوت أعلى من صوت التلفاز أن عدونا هو إيران!!.إن الذي تفعله إيران الآن والذي فعلته من قبل لم تفعل إسرائيل عشره ولا أقل من عشره، وبالرغم من أن أصواتاً كثيرة ارتفعت تندد بالدور العربي في مساعدة أمريكا على إحتلال العراق، إلا أن الدور السعودي ظل مشكوكاً فيه ولم يرد ما يثبت أن للمشاركة السعودية أثراً كبيراً في احتلال أمريكا للعراق.. وحتى إذا ما ذكرت القاعدة الأمريكية في قطر وأن بعض العمليات انطلقت منها، وأن هذا ما لا يقره مشرع ولا دين ولا مروءة ولا نخوة.. إلا أن ذلك كله يتضاءل مع الدور الإيراني الذي مهد تمهيداً كاملاً للاحتلال الأمريكي للعراق بسبب العداوة المستحكمة بين العراق أيام صدام وإيران الخميني.. ولا ننسى أن الشيعة في العراق كانوا يمثلون رصيداً استراتيجياً للغزاة الأمريكان، ولا ننسى فيلق بدر وحزب الدعوة التي كانت هي رأس الرمح في الغزو الأمريكي للعراق، وكلها كتائب وفرق دربت في إيران وليس أدل على الدور الإيراني من تهميش كل المراجع الشيعية العراقية الموجودة، والتي ستكون موالية للغزو لولائها لإيران، وذلك لحساب آية الله السستاني الإيراني الجنسية الفارسي الأصل، إن كل ما يمكن أن يقال عن الدور العربي أو الخليجي في غزو العراق يتضاءل ويتردى بجانب الدور الإيراني، وليس أدل على ذلك من إغضاء الأمريكان عن إحتلال إيران للجزر الثلاث، رغم أن خصمها هو حليف قديم للولايات المتحدة.. وكذلك سكوت أمريكا على ما يحدث للأقليات السنية في الأهواز وغيرها وتخليص أمريكالإيران من الرعب الطالباني الذي كان يغض مضاجعها.. وكذلك القضاء على مجاهدي خلق التي كانت متمردة على إيران رغم إن مجاهدي خلق أقرب للأمريكان لعلمانيتهم ولإسلامية إيران وإن كانت إسلامية مزعومة. إن ما يقال هذه الأيام عن الاتفاقيات والصفقات بين إيران وعدد من دول الخليج مثل البحرين والسعودية لن يجدي فتيلاً في تحقيق التقارب بين إيران والعالم الإسلامي، دعك من العالم العربي الذي يعاني معاناة مباشرة ويومية من التطاول والتطول الإيراني. إن البند الأول هذه الأيام في السياسة الإيرانية هو تصدير الثورة.. ليس فقط إلى دول الخليج ولا الدول العربية في شمال أفريقيا وغربها.. بل تصدير الثورة إلى الدول الأفريقية، مهما كانت مع العلم بأن إيران لا ترعى برنامجاً دعوياً للأسلحة بمعناها السني الأصولي، ولكنها تسعى لنشر التشيع وتمكين الأقليات الشيعية في هذه الدول الأفريقية، وتمكينها من الاستيلاء على السلطة كما جرى في ساحل العاج.. وأنه لمن المدهش أن يأتي إلى السلطة مسلم شيعي يسمى حسن تادارا محمولاً على الدبابات الفرنسية والأمريكية على حساب الرئيس الكاثوليكي. إن مفهوم تصدير الثورة عند الإيرانيين لا يعني شيئاً سوى تصدير التشيع والرفض والمتعة وقتل النواصب الذين هم أهل السنة. إن الذي يجري في اليمن وفي البحرين وفي المنطقة الشرقية في السعودية وفي سوريا، والذي جرى في العراق وفي الكويت يدل دلالة قطعية على استحالة التطبيع والتقارب مع النزق الإيراني الذي لا يقبل بأقل من الديدونة الكاملة لولاية الفقيه، ودفع الخمس وأفشاء المتعة والذي لا ينتبه إليه الإيرانيون في نشوة تقاربهم مع أمريكا هذه الأيام، هو أنهم مقبلون على تلقي صفعة مؤلمة وموجعة وربما تكون قاتلة في دولة من دول الشمال الأفريقي العربي.. ربما يكون قد غرهم ما مناهم به دكتور سعيد العريان من الدفاع عنهم والاستشهاد بأنه حتى الآن لم يحدث أن تحولت دولة سنية واحدة إلى مذهب التشيع والرفض، ولا تغرنهم العلاقات الحميمة التي بدأت بينهم وبين السنغال ودول أفريقية أخرى.. فإن هذه الدول تبحث عن مصالح حقيقية مشتركة بينها وبين إيران.. ولا تبحث عن أيديولوجيات ولا خزعبلات.. وإيران لا تستطيع أن تقدم في هذا المجال شيئاً ذا بال.. كل الذي تستطيع تقديمه إيران هو عبارة عن ea nuntp أو مبالغ لا قيمة لها تشتري بها بعض الأقلام أو بعض الألسن.. أما مشاريع استثمارية يستفيد منها الآلاف أو الملايين.. فيأبى البخل.. والحقد.. والجنون. إلا إنه من خطل الرأي رغم الذي قلناه نتجاوز حالة الانفراج في العلاقات الأمريكيةالإيرانية الآن بعد الاتفاق حول الملف النووي الإيراني الذي شمل أمريكا وفرنسا وروسيا، مما يشير إلى تهدئة الأجواء بين هؤلاء الفرقاء.. إلا أن السؤال يظل في حاجة إلى إجابة. على حساب من سيكون هذا التقارب.. ولمصلحة من؟. إن الإجابة على هذا السؤال لا تحتمل أكثر من وجهين، وهما إما أن يكون الاتفاق لمصلحة الجميع بما في ذلك إيران والخليج.. وهذا يعني إحتمالات تعاون حقيقي خليجي إيراني تحت مظلة الرعاية الغربية الأمريكية، بما يحقق المصالح الأمريكية أولاً وقبل كل شيء. والاحتمال الثاني وهو الأكثر وروداً أن يكون الاتفاق على حساب دول الخليج ولصالح إيرانوأمريكا دون سواهما، فلإيران مصلحتان.. تصدير الثورة.. والمكاسب المادية التوسعية. ومالم تتعارض المصالح الإيرانية في تصدير الثورة وفي التوسع الإقليمي مع مقتضيات المصالح الأمريكية الاقتصادية والعسكرية في الخليج.. فإن المنطقة العربية مقبلة على زمهرير وعواصف وزلازل وبراكين من المواجهات العقدية والقومية بين الفرس وأهل الإسلام في المنطقة العربية برمتها.