الصحافة التى تسعى للإثارة بتضخيم الأحداث ونقر الطبول وبث القلق والتوتر لدى المتلقى نوع قديم من الأشكال التى عرفتها الصحافة خلال القرون الاولى من نشأتها . قيام مجالس للصحافة وجمعيات لمحررى الصحف وهيئات لرؤساء التحرير وإتحادات للصحفيين كان بدواعى مواجهة إنحراف هذه الأشكال من الصحافة عن رسالتها بنشرها للأخبار التافهة وملاحقة الشخصيات السياسية والرياضية والفنية وإقتحام خصوصياتهم أو تقديم البعض بإعتبارهم نجوماً يجب على المتلقى متابعة تفاصيل دقيقة من حياتهم الشخصية . فى بلادنا عبرت الكثير من الجماعات والمنظمات الفكرية والدينية والإجتماعية عن قلقها مما ينشر فى هذا النوع من الصحف وازدياد معدل توزيعها خاصة فى الأوساط محدودة التعليم وبعض الشباب . أذكر انه فى منتصف التسعينيات الماضية عملت ضمن لجنة برئاسة الأستاذ محمد سعيد معروف وعضوية الأستاذ عبدالله عبيد والأستاذة ليلى أحمد محمد وآخر لا أذكر أسمه الأن على دراسة ظاهرة نشر القضايا الإجتماعية والجريمة فى بعض الصحافة السودانية وبعد عدد من الجلسات والإطلاع على المادة المنشورة أعدت هذه اللجنة تقريراً وافياً ومقترحات لعلاج الظاهرة ويبدو أن مثل هذه اللجان والدراسات لم تتوقف حتى الأن والنشر الصحفى يزداد وتكثر الصحف التى تتناول القضايا الإجتماعية والإنحرافات فى المجتمع على غرار نظرية إذا عض الإنسان كلباً . الصحف التى يطلق عليها إجتماعية والتى هى فى الأصل صحافة متخصصة حسب تقسيمات مجلس الصحافة أبديت الكثير من الأراء العامة حول أدائها كما وصت الكثير من ورش العمل واعمال اللجان والدراسات بتقويم أدائها ومعالجة إنحرافاتها وضرورة التزامها بمواثيق الشرف الصحفية والمعايير المهنية لأنها تضخم الحوادث وتقدم المجرمين فى بعض الحالات فى صورة الأبطال وتضلل القراء بنشر حوادث وجرائم حدثت خارح البلاد وقبل عشرات السنين وكأنها حدثت فى السودان دون الإشارة للمصدر والتاريخ وتنشر فى بعض الأحيان موضوعات لاقيمة مهنية لها وتجرى فى بعض الأحيان إستطلاعات مفبركة أو إستطلاعات تقوم على إستعراض جمال ووجوه من تم إستطلاعهن فى قضايا يعجزن فيها عن ابداء رأى مفيد للقارئ كما تنشر أخبار جرائم وقعت لتوها وتفاصيل من طرف واحد من أطراف الجريمة مما يصعب من مهام الشرطة وتحقيقاتها كما أن النشر المعمم والعناوين المفتوحة تصور بعض الجرائم فى المجتمع وكأنها استشرت وبدت ظاهرة وهى فى الواقع ليست كذلك وتقوم بعض الصحف بتصوير فرق الشرطة وأتيامها العاملة فى متابعة جريمة أو التى كشفت جريمة أخرى ومثل هذا النشر له عواقبه وأثاره على الأداء الشرطى .. أما نشر صورة المجنى عليهم من الأطفال والقصر فى جرائم الإغتصاب فهو نشر حرمته المواثيق الصحفية ومواثيق حقوق الطفل ولكن صحفنا تنشر للسبق والإثارة . القوانين الصحفية تمنع النشر أثناء مرحلة التحقيق وتمنع إنتهاك خصوصية الأفراد الطبيعيين وتمنع نشر المعلومات مجهولة المصدر وتمنع نشر تفاصيل إرتكاب الجريمة إلا بما يبغض ذلك وتمنع نشر المعلومات المضللة للعدالة . الصحف تنشر العناوين والمانشيتات وتصور السودان كأنه حاضنة الجرائم ومعظم مواطنيه من المجرمين . هل نحن وبلادنا كما تصوره هذه الصحف ؟؟