للذين يغالون في الإنحياز لفكرة الإستحواذ المطلق للنص الإبداعي لذاتية المبدع، ثم يبنون على ذلك إنفصال الرؤى الفكرية الكلية للمجتمع بإتجاهاته السياسيه والفكريه والإقتصاديه والعقدية عن بناء شكل ومضمون الفكرة الإبداعيه يقول فولتير الشاعر الفرنسي المتوهج في عصر النهضه مخاطباً الشعراء (يا أيها الشعراء .. إحذفوا وأضيفوا ... وتوخوا الصِنعه .. بغير ذلك لن يوضع كل شيئ في مكانه) ..هكذا رفع فولتير بهذه الكلمات من قيمة واقعية النص الإبداعي وإنتمائه في النهاية إلى الأرض و قانون الطبيعه .. أما أنصار البوهيميه الإبداعية فقد ظلوا يتمردون على الواقع ويؤكدون على الدوام أن النص الإبداعي وبالأخص الشعري هوقيمة إلهامية مقدسة وتغذيها ذات المبدع وروحه وربطوها في القدم بالسحر والشعوذه كتبرير على ما يجيء فيها من إبداع مغاير ومختلف ومشوب بالدهشة ..فإعتبروها وحياً كونياً مقدساً (وقد سماه العرب القدماء شيطان الشعر) .. وبذلك فإن النص عندهم يجب ألا يُمس ولا يُعدل بل ينشر للعامة كما هو بإعتبار أن التغيير سيشوه الفكرة و المضمون والشكل ...و من هذا المعيار التفسيري لحالة الإبداع نجد أن هذا المنحى يفصل المبدع فصلاً تاماً عن المجتمع بالقدر الذي يجعل كل ما يبثه النص الإبداعي من أفكار و أشكال لا يُعبر إلا عن ذاتية المبدع و أغواره وفحوى تنازعه مع مجريات ما يصيب حياته من أحداث وزكريات و أخيله، وبذلك إن عبًّر المبدع بنصه أوشكله الإبداعي فهو لا يقصد بأيي جزئية كانت معالجة ما يدور في صدور الآخرين أو المتلقين و تكون حالة الإستفهام وعدم الإندماج مع مرامي و خيالات النص الإبداعي محض إقرار للمبدع بما يدور في خلده من إحساس ..هم ينادون بأن الإبداع لا لشيئ ولا لغاية ولكن هو مجرد تنفيس عن أعماق ذاتية المبدع وآلامها و أفراحها ليتلقاها من يحتفي بها .. وينبذها من لا يتفاعل معها .. غير أن الواقع الكوني المنحازعلى الدوام إلى القيم التي تنبني على العلميه والمنهج والأهداف لم تزل لا تعترف بأي إختراع أو صنعة أو حتي إبداعاً لا يقدم رؤىً تستهدف رد فعل ما..وإلا كان كل ما يصنع خارج إطار هذه الفكرة مجرد سقط متاع وفاقد إنتاجي لا طائل منه .. وقد أثبتت التجارب والدراسات الأكاديمية أن الفن والإبداع من أهم أدوات بناء المجتمعات والأمم فهو ليس قيمة إمتاعية فقط تزول بزوال المؤثر بل هو روح تربوية وثقافية قد تؤثر تأثيراً مباشراً في التكوين الإجتماعي والسياسي والإقتصادي والعقدي ...فالبشر عادة يتأثرون بالجمال والجمال هو موطن من مواطن الإبداع ..وبذلك فإن المبدع بعد أن يهبه الله القدرة على الإختلاف والتفرد فهو يصنع لبنات تطور عطائه الإبداعي من خلال ما يستوعب خياله وعقله من التجارب السابقه وذلك بالإطلاع و المشاهده والبحث و كذلك هو بلا شك يكتسب من خبرة إحتكاكه بواقعه المعرفي والثقافي والسياسي والإجتماعي ثم إن إنتمائه الطبقي أيضاً يحدد شكل ومضمون إنتماءاته الإبداعيه ولغته وأشكاله التي يختارها لبناء منتجه الإبداعي كل هذا و ينادي البعض بقدسية إنجذاب المبدع إلى ذاته الوحدانيه وتعبيره عن أغوار شخصه فقط..ياهؤلاء في هذا المضمار للحديث بقيه ولنا عودة.