والعيد وقفة.. بل تنبيه لمنعرج يحمل معان وموجهات ظرفية وزمانية.. وعبراً يختزنها كل نابه وناشط لبناء وتقوية خط سيره.. وهذه الذكرى المتجددة كل عام وآخر هي متلازمة منذ أمد بعيد.. ولكل قوم وعصر ودولة عيد ووقفة.. إلا أن الوقفة تختلف في مسمياتها ومحتوياتها والمترافقات.. ولذا قد سمعتم معي جميعاً شاعر العروبة حين قال: عيد بأية حال عدت ياعيد* بما مضى أم لأمر فيك تجديد حتى قال: أما الأحبة فالبيداء دونهم* فليت دونك بيداً دونها بيد أما شاعركم السوداني (محمد أحمد محجوب) فقد قال: العيد وافى فأين البشر والطرب والناس تسأل أين الصارم الذرب الواهب المال لا مننٌ يكدره* الصادق الوعد لامين ولا كذب. فإذا كان الناس تمر عليهم الذكريات ولا ينسون المواقف والمشاهد ذات المعاني الدالة حتى لا يتراخى القوم في الشأن الذي صار وقفة لا يستطيع تجاوزها أحد.. ولا ينسى أو يتجاهل ذلك الموقف أو الحدث.. وهو - أي الحدث- تمر عليه الأيام والملمات فيبقى عالقاً.. تتوارثه وتتداوله الأجيال .. بل تفرح بقدومه وتنتظره إن لم تعد تهيء له الأوضاع تخليداً وعزماً وتمجيداً.. فأي منا لا يلفته بل ينتظر بزوغ وإطلالة كل شهر جديد سواءً كان هلالاً لنفهم عدد السنين والحساب أو كان ميلادياً (يناير- فبراير- مارس..) لأن للحياة والتعامل فيه - أي الشهر- فيه مصالح ومراجعات.. وإن أتانا رمضان كان تعبداً وتربية وعزماً وتوحيداً للأمة المسلمة.. حتى إذا ولىّ وقف الناس فرحاً بالأداء و(عيداً) فهو الفطر.. وهو عيد.. ثم زحفت الأمة المسلمة إثر ذلك وتهيأت للحج الأكبر حيث يبهرنا جميعاً أيضاً (عيد) الأضحى.. ثم ما من مولود.. يرزقه أحدكم إلا وتغمره الفرحة وتأتيه وقفه (السماية) وإن ختنه وهو ذكر - أي ولد- أو تركه لختان جماعي وهو يافع بين يدي سنين ما قبل المدرسة.. فما من حدث جليل إلا واجتمع الخلق عليه.. ولا يغفل الناس أبداً رحلة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) من مكةالمكرمة إلى المدينةالمنورة.. ولا تخمد نبرات المنشدين وهم يستقبلونه عند المداخل حينها مرددين: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع* وجب الشكر علينا ما دعا لله داع حتى قالوا: جئت شرفت المدينة* مرحباً يا خير داع فإذا كانت العبرة دائماً تكون عند الوقفات.. وهي إما ترويحية عن القلوب والأنفس والأرواح.. وإما ذكراً للمحاسن وترفيعاً وشكراً وتثبيتاً للأدوار والقيم الوطنية.. وإما تحذيراً للآخر وإبراز للقوم.. حتى أننا سمعنا وحفظنا (رحم الله إمرءً أراهم اليوم من نفسه قوة..) وعليه فإننا اليوم تكسونا وتظلنا سحابات بيض كاسيات. وذلك أنه قد توافرت علينا (ثلاث) مناسبات.. بل (ثلاثة) أعياد ولا نشعر إزاءها إلا بالبشرى والفأل الحسن.. وتلكم هي: ذكرى مولد حبيبنا محمد (صلى الله عليه وسلم) في يوم الإثنين (12 ربيع الأول عام 517ه) وهي وقفة الفيل.. ولا تأتي هذه الذكرى إلا ويفرح المسلمون في كافة مواقع الأرض، ويقفون عند إنشطارات إيوان كسرى ملك الروم وقتها والنور الذي أضاء بين عيني أمه (آمنة) بنت وهب وغير ذلك من المقدمات ومؤشرات القدوم القريب وبذلك فليفرح الآباء والامهات.. بل كل أسرة بذكرى الميلاد كما يفرحون بكل مولود يرزقهم إياه المولى العلي الكبير.. ثم العيد الثاني الذي يلازمنا هذه الأيام هو عيد الاستقلال الذي رفعنا فيه (راية) استقلالنا بعد أن نفضنا أيدينا من المستعمر الدخيل.. لأننا قيل لنا (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً) فوصلنا لذكرانا رقم (58) منذ 19 ديسمبر 1955م وأزلنا بعد رفع علم الحرية أزلنا كذلك مظاهر الخلل والخنا والمشاهد المخجلة في كثير من أحياء وتقاطعات العاصمة القومية والعواصم الأخرى بالسودان وقذفنا على النيل وأرقنا كل المواعين النتنة وصارت مياهنا هي العذبة ومشروباتنا هي (المنقة والجوافة والقونقليز و فانتا) وموائدنا فيها المشتهى الحلال.. ولا نحتاج أن نكتب أمام مطاعمنا (مطعم حلال).. أو نكتب أمام أبوابنا (منزل أحرار) كما كنا نفعل يوماً.. وعفواً لكم.. قرائي الأعزاء.. فحاكي الكُفر ليس بكافر.. كما تقول شريعتنا الغراء.. وهكذا كان الاستقلال كاملاً.. ورفع يمدننا (الأذان) حتى صرنا اليوم لا نحتاج أيضاً لمنبهات متيقظة من النوم لأداء صلاة الصبح.. بل تتبارى عليك وعلى الجميع مكبرات (التهليل) و (الصلاة خير من النوم) وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.. وأعيد عليكم حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وأكرره (إذا أديتم الفجر فلا تناموا عن طلب أرزاقكم).. أما عيدنا (الثالث) فهو بعد الاحتفاء باستقلالنا المقارب (للستين) بإذن الله.. فإننا نفرح ونبتهج بعامنا المنبلج الجديد وهو عام (2014) وحين تشرئب أعناقنا لهذا الرقم (0014) تأتيك نفحة بهجة وأمل وراحة.. لأنه عام زوجي.. ينفتح عليك بثنائية تقبل التوافق مع مقومات البشر المزدوجة .. فما من شبيهين في قامة الإنسان إلا ووجدها (إثنين .. إثنين) وأترك رصدها لك أنت (قاريء العزيز) فالشعور إن هذا العام ستأتينا بإذن الله سحائب الأمن والتعايش مع جيراننا وتأتينا موائد الزراعة والتعدين.. وتأتينا الصناعات والتصدير.. وتأتينا التوافقات والتشريعات.. وتأتينا الصلوات والتبريكات.. وهنا نجد أنفسنا قد أتى علينا قول خالقنا الأجل (الذين إن مكناهم في الأرض: (1) أقاموا الصلاة (2) وآتوا الزكاة (3) وأمروا بالمعروف (4) ونهوا عن المنكر.. ولله عاقبة الأمور). والله أكبر.