قد كان من الممكن ان نقول بأن أهل الريف الشمالي قد احتفلوا بتكريم احد أبناء المنطقة الا وهو الأستاذ عبد الرحيم امام محمد التهامي لأن هذا قد حدث فعلاً ..ولكن تقديم السروراب له أسبابه ودوافعه، وقد قصدت من ذلك أن نعطي الحق لأهله، واهلنا السروراب وتمثلهم رابطة تطوير السروراب قد كانوا هم أصحاب المبادرة وأصحاب الفكرة في تكريم معلم الأجيال الأستاذ عبد الرحيم امام تقديرًا لتاريخه الحافل بجلائل الأعمال. وهم من أعدوا البرنامج، وهم من اقترحوا المكان، وقد كان اختيارهم موفقاً بأن جعلوا من دار المحتفى به مكاناً للاحتفال، وهم كذلك قد جهزوا متطلبات التكريم من هدايا ووشاحات، ثم بعد ذلك قاموا بدعوة بعض الشخصيات من رموز الريف الشمالي، وقد كان حضورًا مميزًا قدمت فيه بعض الكلمات الطيبة اشادة بالأستاذ الجليل عبد الرحيم امام، وهو قد كان يستحق التكريم على مستوى السودان، لأنه قدم الكثير في مجال التعليم والتربية، وتخرج على يديه العديد من أبناء هذا الوطن، عندما عمل معلماً في عدة ولايات، وخاصة في المرحلة الثانوية، كما انتدب الى المملكة العربية السعودية، وعاد منها مواصلاً رسالته التربوية، ثم تم اختياره مديرًا للمرحلة الثانوية بولاية الخرطوم، ثم مديرًا لامتحانات السودان. وأخيرًا تم اختياره استاذًا في مجال وضع المناهج لكل المراحل التعليمية ببخت الرضا بالدويم حتى تقاعده. وكان للأستاذ عبد الرحيم دوره في مجال العمل العام، وخاصة الدعوة والارشاد الديني، واجتهد في تقديم الخدمات الصحية والتعليمية بقرية النوبة وهي مسقط رأسه، وقد كان للأستاذ عبد الرحيم دوره الكبير في وضع أول بذرة للاسلاميين في المنطقة. عندما لم يكن لهم موضعاً لقدم واستطاع بجهده، وقبوله عند الآخرين أن يؤسس مكاناً لهؤلاء الاسلاميين منذ عهد جبهة الميثاق، مرورًا بالجبهة الاسلامية، واخيرًا المؤتمر الوطني، وقد ساعده في هذا رفيق دربه المرحوم عوض محمود أحمد المشهور بعوض دوكة ورغم اختلافي السياسي مع الاسلاميين، ولكني كنت احترم هذا النفر ونلتقي معاً في قضايا المصلحة العامة، ولم يحدث ان اختلفت معهما، لأني التمست فيهما الصدق وخاصة في الشعارات التي يكررها جماعتهم مثال( هي لله - لا للسلطة ولا للجاه) ولم أر فيهما البحث عن المصالح أو المغانم.. واستطيع ان أؤكد لو كان كل الاسلاميين في بلادي يشبهون الأستاذ عبد الرحيم امام أو المرحوم عوض دوكة لانصلح حالنا الى أحسن مما نحن عليه الآن!! المهم أقول ونحن في مجال تكريم الأستاذ عبد الرحيم وعندما وصلتني الدعوة الكريمة من الأخ الدكتور محمد عبد الرحمن الخواجة لحضور هذا التكريم سعدت كثيرًا وشكرته على دعوته، وحرصت على الحضور. وفي تلك الدار العامرة والحوش الكبير بمنزل المحتفى به، وجدت الحضور من خيار أهل ريفنا الشمالي من الحريزاب وحتى الجميعاب، ورأيت على وجوه الكثيرين علامات الفرح والسرور بهذا التكريم لرجل يستحق الكثير، وما أسعدني اكثر فقد شاهدت الأستاذ عبد الرحيم وهو أكثر سعادة وقد زال من وجهه شحوب المرض العضال الذي لازمه منذ فترة، وظهرت عليه علامات الصحة والعافية والاشراق. سائلاً الله أن يكون هذا التكريم سبباً في ازالة كل ما ألم به، وهو الرجل المؤمن القوي الشجاع وان الله قطعاً سوف يقبل دعوات كل من أحبوه بأن يعجل له بالشفاء والعافية.. والأستاذ عبد الرحيم كنت لصيقاً به في مجلس آباء المؤسسة التعليمية الأولى في قرية النوبة، وهي مدرسة الشيخ نايل للأساس والتي تأسست عام 1957م، وتخرج منها كل أبناء القرى المجاورة، وخاصة النوبة والجزيرة اسلانج، وقد سميت باسم والدنا المرحوم الشيخ نايل، لأنها قد بدأت في داره، ونسبة لأنها لم تجد العون الحكومي اللازم فقد ظل تأسيسها في المباني يتحمل أغلبية العبء فيه المواطن، وبالعون الذاتي وحتى اليوم، وقد كان للأستاذ عبد الرحيم دوره الكبير في هذا، بالاضافة لشقيقه الأستاذ الصادق امام والذي ظل مديرًا لهذه المدرسة عدة اعوام حتى تقاعد منها للمعاش في العام الماضي. وكذلك لا أنسى شقيقهما الفريق أحمد امام التهامي، فقد قدم الكثير من الدعم لهذه المدرسة وللمؤسسات اخرى بقرية النوبة. وأردت القول ان الأستاذ عبد الرحيم امام هو من أسرة عريقة جبلت على أعمال الخير والبر والاحسان على مستوى المنطقة، وللأستاذ عبد الرحيم مواقف مهمة اذكرها له، وهو صاحب المبادرة الأولى، والتي تكونت منها أشهر لجنة في الريف الشمالي، وهي ما سميت بلجنة (حماية الأراضي بالريف الشمالي) فقد جاءني ومعه المرحوم عوض دوكة وكان الحديث عن ما سُمي بلائحة محمد الشيخ مدني أو لائحة تقنين الأراضي السكنية والزراعية. وقد أزعجت هذه اللائحة أهل القرى والأرياف بأن هذا القانون سوف يقوم بنزع أراضيهم وحيازاتهم وتحويلها الى خطط اسكانية.. وقد كان هذا اللقاء سبباً في تكوين لجنة جامعة لكل أهل الريف الشمالي، ضمت كل القرى، ولم يتخاذل من هذا الإجماع الا قلة لم يحصدوا من خلافهم الا الندم، وحققت هذه الوقفة التي تعود أفضالها الى الأستاذ عبد الرحيم امام والمرحوم عوض دوكة، وقد اشتهر الأول بالحكمة وتهدئة الخواطر، وعرف الثاني بالشجاعة والصراحة والصوت المجلجل، وامتدت بركات وخير لجنة الحفاظ على الأراضي من الريف الشمالي واستعان بها أهلنا في الريف الجنوبي «منطقة الجموعية» واستطيع أن اقول بإن أفضال الأستاذ عبد الرحيم كثيرة لا تحصى! وهو حقيقة يستحق هذا التكريم، ومن عيوبنا في السودان اننا كثيرًا ما نهمل جهد الخيرين، وأصحاب العطاء، ولا نذكرهم الا بعد مغادرتهم دنيانا الفانية، وكمثال لهذا فنحن في ريفنا الشمالي ورغم تعدد القرى والمسميات فنحن جميعاً اهل تجمعنا الأرحام، وتجمعنا القبيلة الواحدة، ومع هذا فيجب ان يجمعنا السودان ولتجمعنا المصالح المشتركة، وما قام به اهلنا السروراب من مبادرة طيبة لتكريم الأستاذ عبد الرحيم، وهو من قرية النوبة، وهذا يدل على ما أعنيه، وهذا الفهم الجديد، والذي نشكر عليه ابناء السروراب.. فاني ادعوهم وأحضهم للسير في هذا الطريق.. ففيه كل الخير، ونحن في هذه المنطقة قد عانينا كثيرًا من الانقسامات، والتي زرعتها بين صفوفنا «الأحزاب» أو الحكومات صاحبة «التوجه الواحد» والتي ترفع شعار( فرِّق تَسُّد) ومن هنا اقولها بصراحة فاني معجب بتجربة اهلنا السروراب وأثق في من طبقوها ونحن نحفظ للسروراب تاريخها وهي اول من تعلمنا فيها حرفاً وبمثل ما تم من وحدة للسروراب. ونحن نعلم حجم ما كان فيها من خلافات. وأقترح أن يتم تغيير وحدة السروراب الى وحدة الريف الشمالي، وفي هذا اكبر تكريم للأستاذ عبد الرحيم امام وقد رعى وقاد لجنة حماية اراضي الريف الشمالي، ونجح في ما أراد. وأقترح على شباب قرية النوبة ان يكون التكريم القادم للمرحوم الأستاذ عوض محمود أحمد وأن يرفعوا من خلاله وحدة الكلمة لأهلنا بريفنا الشمالي وكلمة اخيرة اقولها للاسلاميين عامة وللحاكمين على وجه الخصوص فان المرحوم عوض دوكة قد انتقل الى رحاب الله! وكان مريضاً بالفشل الكلوي، وصرف كل ما عنده على مرضه، ثم باع أرض ابنائه، والآن الأستاذ عبد الرحيم حفظه الله وعافاه قد ظل يؤدي واجبه في ميدان التربية والتعليم، وعمل على ترسيخ أقدام الاسلاميين في منطقته دون ان نرى له مصلحة، والآن أقعده المرض كذلك بالفشل الكلوي وسافر على حسابه، وهو لا يقبل ان أقول باسمه بأن الدولة لم اسمع بأنها مدَّت له يد العون وهو لا يقبل ان استجدي له ولكن يحركني ويغضبني هذا الجحود!! وخاصة عند من كان سبباً في وجودهم ومكانتهم..! معذرة للأستاذ عبد الرحيم ولأسرته الكريمة، وطالما الحديث عنه لابد أن نقول الحقيقة ونسأل الله للأستاذ عبد الرحيم عاجل الشفاء..واكرر الشكر لأهلنا السروراب.. وللجنة تطويرهم.. وأسأل الله لهم التوفيق والسداد..