عيد مجيد: في كل عام وفي شهر أغسطس الميلادي، الذي يقابل شهر مسرى، في أيام خريف الأفراح في السودان ، يأتي صوم السيدة العذراء مريم ، والمناسبة تأتي مع الأمطار، حتى أن هناك «مطره» من الأمطار تسمى«مطرة العذراء»، تأتي في صومها نذير خير وبركة لبلادنا العظيمة، وشهر مسرى الذي نحن فيه الآن، هو شهر الخصب والخير والنماء، ويقولون إن مصر سميت على شهر مسرى، الذي تجري فيه المياه في كل ترعة عسرة، وخريف هذا العام تأتي أكثر بكثير من الزيادة، التي حدثت عام 1988 بل وعام 1946، وهي أعوام معروفة بزيادة منسوب المياه في نهر النيل المبارك. صوم العذراء : وصوم العذراء هو صوم مقدس ، موجه إلى الله ولكنه على إسم السيدة العذراء ، وقد رتبت الكنيسة الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية هذا الصوم ، تكريماً لمكانة السيدة العذراء ، تلك المكانة العظيمة التي جعلت الله يختارها لمهمة عظيمة، فقد صارت أماً للسيد المسيح،وولدته بدون زرع بشر، وذلك بحسب بشارة الملاك جبرائيل لها ، الذي أتى إليها وهي في مدينة من الجليل إسمها ناصرة ،ودخل إليها وقال : سلام لك أيتها الممتلئة نعمة.. الرب معك.. مباركة أنت في النساء، ولما رأته مريم ، إضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية ؟! فقال لها الملاك:لا تخافي يامريم ، لأنك قد وجدت نعمة عند الله ، وها أنت ستحبلين وتلدين إبناً وتسمينه يسوع، هذا يكون عظيماً وإبن العلى يُدعى ، ويعطيه الرب الإله كرسي داؤود ، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ، ولا يكون لملكه نهاية «لوقا»«1».. كيف هذا؟ : قالت مريم للملاك : كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً! فأجاب الملاك وقال لها : الروح القدس يحل عليك ، وقوة العلى تظللك، فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى إبن الله، وأمام هذا قبلت مريم العذراء نعمة الله في خضوع وخشوع وإيمانٍ وإمتنانٍ، قائلة للملاك : هوذا أنا أمة الرب ليكن لي كقولك . وقد رسم إنجيل لوقا هذه اللوحة الجميلة في الإصحاح الأول،مؤكداً في كل هذا أنه ليس شيء غير ممكن لدى الله، وكان الحدث كبيراً جداً، والفتاة صغيرة متواضعة ، وديعة عفيفة، والحدث كان أكبر وأخطر من أن تطوى عليه جوانحها ، فأسرعت إلى قريبتها «أليصابات» زوجة زكريا الكاهن ، التي كان الملاك قد أنبأها بأنها هي الآخرى بقدرة الله الذي لا يستحيل عليه شيء ، قد حبلت في شيخوختها وذهبت مريم العذراء إلى هناك ، وظلت إلى ما قبل ميلاد يوحنا المعمدان، وعادت هي إلى الناصرة ، لكي تستعد لإستقبال مولودها السعيد ، الذي أسعد العالم كله بتعاليمه العظيمة ، التي رفعت كرامة الإنسان رجلاً وإمرأة، فقيراً وغنياً، ورسم طريق العظمة الحقيقية، الذي سار فيه كثير من بني البشر ، فصاروا له أتباعاً وتلاميذاً، وخُداماً ومبشرين . دعوة محبة : ونحن إذ نهنيء بصوم السيدة العذراء ، نعتبر أن هذا الصوم «دعوة محبة » إلى كل الناس ، لتكريم العذراء مريم التي هي مركز محبة كل الناس في العالم كله.. ملايين من المسيحيين يكرمونها بالترنيم، وبناء الكنائس على إسمها، وعمل الخير على إسمها، وملايين من المسلمين يعطونها كرامة عظيمة ، حيث أن إسم مريم وكل مشتقاته ، صار إسماً له دلالة روحية في كل الأديان . وسوف يظل صوم السيدة العذراء«دعوة محبة» تؤكد محبة الإنسان للقيم الروحية، وتؤكد عمل الروح القدس في بني البشر، فمريم إمتلأت من الروح القدس ، فملأت الآخرين، وإمتلأت فإتضعت، وإمتلأت فسكبت ، وإمتلأت فإنتصرت، ونحن مثل مريم ، سوف نمتليء من روح الله ونكون«دعوة محبة».