قلت بالأمس أن الشعب السوداني قاطبة وبلا استثناء قد فهم خطاب السيد رئيس الجمهورية فهماً كاملاً رغم أن الخطاب لغة كان وكأن الذين كتبوه أو كتبه هو النابغة الذبياني أو أمرؤ القيس في باحات وساحات سوق عكاظ.. فهمنا أن الحكومة أو تحديدًا الانقاذ قد أدركت وبعد خمسة وعشرين سنة أن مسيرتها لا تقود الى «البصرة» والبصرة هي وحدة الوطن وسلامة «كل» أراضيه وحرية كل شعب ورفاهية كل أمته.... أدركت الانقاذ أن الذين هرولوا الى أحضانها من أحزاب منشطرة و من أحزاب راسخة لم يضيفوا لها سطرًا ولم يدفعوا معها مركباً بل كانوا عبئاً ثقيلاً عليها. أدركت الانقاذ أن الوطن يعيش أياما قاسية ويواجه طوفاناً من التحديات والمشاكل والمتاعب.. أدركت أن اشتعال ساحات القتال بالقنابل والبارود خير منه ألف مرة بسط موائد الحوار كانت مربعة أو مستديرة وليتها كانت داخل أسوار الوطن. أدركت الانقاذ انه مستحيل ليس في السودان فحسب بل في كل الكوكب أن الدول والأقطار لن ولا يمكن حكمها بحزب واحد ونظرية واحدة وفكر واحد ورؤية واحدة... أدركت الانقاذ انه ومن بين صفوفها ومن أعمدة خيمتها ومن سرب صقورها وحمائمها أنهم قد تطاول بهم العهد وهم جلوس على قمم المصالح والوزارات والمصالح والمصانع.... أدركت الانقاذ أن أي قبضة حديدية حتماً ويقيناً تتراخى مهما كانت قسوتها ومتين فولاذها... وصلابة حديدها لأن الحرية راكزة في قلب كل انسان في الكون تنهض وتشمخ وتزهر وتزدهر كلما كان القيد ثقيلاً ومؤلماً... أدركت الانقاذ وهذا هو المهم بل هذا هو الذي يهمنا أن مشاريعاً اجتماعية هائلة قد ترنحت بل فشلت واندثرت وكما قلنا فقد جاءت الانقاذ وهي ترفع رايات شاهقة وبيارق ملونة رفرفت في كل بوصة في أرض الوطن شغلت الناس وشغلت حتى الحكومة عن القيام بتصميم حياة كريمة لشعبها.... كانت هذه الرايات تحمل عنواناً غامضاً لم نفهم كنهه إلا بعد سنوات وسنوات هو المشروع الحضاري.... ولمدى ربع قرن من الزمان ظلت سحبه تمطر البلاد يومياً وابلاً مدرارًا على أرض الوطن وبعد ربع قرن من الزمان تلفت الأحباب والاخوان وهم لا يرون حصادًا إلا من لافتات تفننوا في اطلاق النعوت والأوصاف والتوصيف عليها.... لا يغضبون ولا يتخلون عن «أخ» أو «بدري» من اخوانهم عندما ينحونه عن وزارة أو مصلحة يخترعون له وظيفة في ذاك المشروع الوسيع الماهل الشاسع المترامي الأطراف... وهو المشروع الحضاري فقد سمعنا ولأول مرة في(حياتنا) بهيئة اسمها هيئة التضرع.. وسمعنا ب(الذكر والذاكرين) ومن زكائب الحصاد هو اسماء صحابة أجلاء وتابعين عظماء... وأئمة علماء مكتوبة على الساحات والطرقات والمساجد والمدارس.... في الشركات والمخابز أما الحصاد المر بل ذاك الذي بطعم الحنظل الحافل بالرعب والخوف والفزع هو جرائم كادت ان تصير وتصبح ظواهر من انحلال شباب... وبشاعة جرائم.. وطوابير ادمان.. وغابات تصادرها الشرطة كل يوم من المخدرات التي أقيمت لها ورش ومنتديات... يحدث كل ذلك رغم أن ركناً ركيناً من المشروع الحضاري كان له شعبة اسمها تزكية المجتمع. بكرة نواصل.