هل لنا أن نقول بأن الذي يتمارى وتتعارك عليه الشعوب.. على هذه الأرض والدنيا الشاسعة بكل تراكيبها.. والسودان من بينها (أي الشعوب) هل لنا أن نقول بأن ذلك يقاس في دائرة: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا..) وهل هي تحت هذه المظلة.. أم هي تنحو منحى (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ..) ام هي كذلك الفتنة المخبوءة (..وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ..) فوق هذا كله وذاك وما لم نحط به.. إننا نقول (إن النفس لأمارة بالسوء) ولكن بيسر وتمهل شديد نقول أحياناً في حياة الدعة والطمأنينة.. إن وصلنا إليها.. تتصدر حكمتنا (خير الناس أنفعهم للناس).. وقد يتبارى في هذا الوعي وهذا الإدراك جماعات وأفراد آخرون.. وساحة التاريخ بيننا مكتظة وأدلتها نافذة كثيفة.. ودونكم قصص القرآن الكريم ومجريات الأحداث والعبر الخالدات علنا نستفيد ونتعظ بها.. وتلك الأمثال نضربها للناس.. إذن نحن علينا أن نعطي مؤشرات الميزان الذي دلنا عليه (الخالق الأجل).. أفراداً وجماعاتً وأمماً.. وبطاحاً أرضية (لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ..) وللسودان نهران.. أبيض.. وأزرق.. وهما يلتقيان.. حتى يقال في الأثر الطيب «سيحون» و «جيحون» و «النيل» من أنهار الجنة.. وهكذا تتداعى المثلات.. فإن ضجت بنا الإحداثيات وسطر التاريخ توالي الأنظمة والحكومات.. فإننا سنضع لثوابت الحكم وركائزه محكم الآيات.. فقيل لنا (...الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ: ü (أَقَامُوا الصَّلاةَ) لأن العهد الذي بيننا وبينهم ترك الصلاة.. وقد تجلت الآن إقامة الصلاة ومنابرها.. حتى اكتظت بها الفرقان والقرى.. والبوادي.. والمدن.. وصارت مساجد الأحياء في كل الولايات التي عمّرناها صارت تتباهى وتتبارى في اكتظاظ الصفوف عند صلاة الفجر.. ويذكر ذلك أنه كان في دولة المهدية بالسودان أن من تخلف عن صلاة الفجر حوسب وسئل في منزله.. عن سبب تأخره.. فهيا إلى الله.. ثم ü (وَآتَوُا الزَّكَاةَ) وأعجبت حين وجدت أخي الباهر مولانا (محمد إبراهيم محمد) قاضي المحكمة العليا اليوم بالسودان.. والذي وجدته قبل بضعة أشهر ورفقة له (قضاة) وجدتهم بشواطيء أخي (إيلا) بالبحر الأحمر.. وهو (أي محمد إبراهيم) هو الذي اشاد وسما ببرج (الزكاة) الفخم الحالي بالصحافات وجبرات الخرطوم.. وكان وقتها بثمن ورقم قياسي زهيد.. ليكون سنداً ومصدراً وعبرة لإيتاء الزكاة المنتشرة علي أرجاء السودان.. فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم الساعة.. فإنها الزكاة المرادفة للصلاة.. ومن بعد تأتي الآية القاعدة الثالثة وهي ü (وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ) وهو ألاّ يسكت أحدهم أو يتوانى في الأمر بالمعروف.. والسوداني بطبعه مجبول وقريب من الفطرة وهي (أي الفطرة).. لا تتعارض بل أقرب للشرائع والإستقامة.. إلا من أبى وتعنت وتلكأ عن الطريق.. كما قلت لكم يوماً عن الزوجة الشابة الأمريكية بولاية جورجيا.. بلد صديق السودان (كارتر) وذلك حين طلبت إليها موقعاً أؤدي فيه صلاة الظهر بمنزلهم.. فجاءت بي لغرفة لديها ثم انتظرت لتراني كيف أصلي كمسلم.. فأديت صلاتي حتى إذا سلمت أنا خروجاً من الصلاة سألتني هي.. لماذا اتجهت هذا الاتجاه.. وهو ببوصلة القبلة فقلت لها هنا إتجاه الكعبة (مكةالمكرمة) فأسرعت وأتت بقلمها العريض ورسمت على حائط الحجرة هنا (اتجاه مكة) فهذه هي الفطرة والعفوية.. فالأمر بالمعروف هو واجب ودلالة على التمكين وسد الثغرات.. أما (رابعة) ركائز التمكين (.. وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ..) وكلكم يقال لكم (من رأى منكم منكراً- أي خروجاً عن ضوابط الشرع- فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه.. فإن لم يستطع فبقلبه- أي إنكاره- وذلك أضعف الايمان) ولتمكين هذه الأربع ركائز.. لابد من عزم.. وحزم وقوة.. وحسم.. حتى لا تستشرى وتنتشر التفلتات.. ثم تمديد المشاورة وروح الإبتدار في المواقف والسياسات.. وثوابت العدل.. وتجديد المواقف.. تلك.. ولا يترك الأمر على عواهنه.. ولا اسأم أن أعيد وأكرر حكمة الشاعر البليغ القائلة: من رعى غنماً في أض مسبعةٍ ونام عنها تولى رعيها الأسدُ (أي أرض ذات سباع).. فإن تمكن نفر أو توجه.. راعياً لحكم الناس وتقديم الخير لهم مع بسط الأمن والطمأنينة والتطوير.. تمنى وسعى آخرون- أياً كانوا- أن تؤول إليهم هذه الصلاحيات، وكل حسب مكنوناته، ودوافعه ولا يتراخى في إحباط وبخس المتقدمين على الساحات العامة.. ولما كان التشاكس والمعاندة هي أمر قائم توجب أن تكون آليات المعالجة- إن لم تكن المواجهة- هي متحركة (أي الآليات) ومتجددة مع تقلبات الظروف كما فعل أخي (كرتي) وإخوته مع الشقيقة (مصر) بالأمس.. فالتيارات الخارجية البعيدة.. أو الداخلية البينية ومرارات نزع السلطة.. ستظل هكذا نبض لا يتوقف.. ولكن قيل للحاكمين هؤلاء (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) فإن قيل لكم كحاكمين في ساعات وذروة المواجهة (.. وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ..) وإن كان هذا التوجيه دائماً وغالباً مع الكافرين.. اعداء الدين.. أو من فرق بين الصلاة والزكاة.. كما أقسم الخليفة الراشد (أبو بكر الصديق)- أقسم على قتالهم.. ثم قيل لنا فيما بيننا (.. وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ..) فالذي يسري ويجري عندنا بالسودان غير الذي يجري بالدول الأخرى العربية.. وغيرها.. لأن السودان درسَ وعايش كل التجارب الماضية والجارية اليوم.. وهو يرتكز على توجه ويقظة ودربة قتالية على مستوياته الأكاديمية والاجتماعية، وتعلو عنده المعاني الجهادية.. فأولى بالناس جميعاً الاحتكام لموجهات الحكمة والمرجعيات الثابتة.. فعليها- أي المرجعيات- ينبغي أن يكون الاحتكام.. وما عداها زيف متهالك.. والله أكبر..