أولاً دعونا ننبه إلى خطأ شائع في استعمال الكلمة المرافقة للامتحانات..لا على المستوى العام بل على مستوى المثقفين حتى مستوى رجال التعليم بل و وزراء التربية والتعليم.. وفي مؤتمر إعلان النتائج من خلال الإعلام المشهود والمسموع فهم يستعملون كلمة (الممتحنين) بكسر الحاء للطلبة الذين يجلسون للامتحان.. فيقولون (عدد الممتحنين كذا) طالب.. وقد ذكرنا في مقال سابق أن الممتحنين - بكسر الحاء- هم الذين يمارسون الإمتحان على غيرهم مما يغير المعنى هنا إلى المعلمين Examiners أما الطلبة فهم (الممتحنون) بفتح الحاء Examinees. وحديثنا الآن عن الطلبة الممتحنين (بفتح الحاء) فهم يشكلون قلقاً زائداً لأماتهم اللائي أصبحن مسؤولات عنهم تلقائياً.. فالمرأة السودانية قديماً لم يكن لها إلا قليل حظ من التعليم ولذلك فهي لا تدرك أهمية أن يتعلم إبنها دعك عن إبنتها وحتى الوالد نفسه في فترة من الزمن لم يكن يهتم بتعليم إبنه بل كان يعارضه.. حتى لا يتشبه الابن بأخلاق المستعمر الأجنبي الذي أدخل التعليم المدني في البلاد محاربة للتعليم الديني الذي كان يمارس في الخلاوي والمساجد من جهة.. ولتخريج فئة من الموظفين تسير له الأعمال المكتبة فالأب لم يكن مدركاً أهمية التعليم من أجل (التعليم) حتى جاء وقت إدرك الأب أهمية التعليم من أجل الوظيفة التي تدر لإبنه دخلاً شهرياً ثابتاً تنبني عليه معيشة البيت.. وبمرور الزمن أخذت الأم حظاً من التعليم والوعي فعملت بالتمريض ثم بالتدريس.. وإنتشر تعلم البنات.. فولجن المصانع والمكاتب وصولاً إلى التدريس بالجامعات حتى بلغن القيادة السياسية.. واضيفت إلى مسؤولياتها مسؤولية تعليم أبنائها وتخلي الأب عنها إلا فيما يلي الجانب المادي.. ولعل إغتراب الأب ساعد في إلقاء هذه المسؤولية عليها وحتى في الجانب المادي فكثير من النساء تخلين عن مصاغهن للمشاركة في تعليم أبنائهن وبناتهن وأصبحت الأم هي المشرف.. والمتابع والمنفذ بجانب مسؤولياتها الأخرى تجاههم.. والأمهات هذه الأيام يعشن قلقاً غير عادي فيهن اللاتي يقابلن إدارات المدارس.. وهن اللاتي يتفقن مع المدرس الخاص لتلافي مواطن ضعف أبنائهن عن طريق الدروس الخاصة.. واللاتي يسهرن معهم لتشجيعهم على المراجعة والاستذكار وهن اللاتي يواجهن تمرد الأبناء وتمرضهم.. ومعالجة الأعراض المزامنة للامتحانات. EXamin ation Syndrome فكثير من الأبناء يصابون بأعراض مثل عدم الرغبة في الاستذكار أو الخمول أو فقدان الشهية.. أو الأحساس بعدم فهم ما يقرأ أو الميول إلى عدم البقاء في المنزل حتى لا يشاهد إنشغاله بالفيس بوك والواتس آب وهلمّ جرا.. والأم في قلق من كل هذا.. تحس أن مستقبل ابنها يتسرب من بين يديها.. وقد سمعت من بعض الأمهات إنهن يئسن من نجاح ابنائهن ومتابعتهم .. وأعلن لهم تركهم وشأنهم.. وبنيَّن على لأنفسهن جواً من الإحباط.. ولكن بما لي من سابق خبرة بالتعليم أوصي ألا يفعلن بل يتذرعن بالصبر... ويواصلن إهتمامهن بالأبناء ويشحنهم بجرعات من الأمل.. والرجاء. وكثير من الطلبة يكون هذا حالهم.. فإذا دخلوا الإمتحان يخرجون بنتائج فوق المتوقع منهم.. وحسناً يفعل واضعو الامتحان بالبدء بمادة القرآن الكريم.. فالطلبة يألفون هذه المادة ويلمون بالكثير منها بحكم تربيتهم إضافة إلى إنها تطمئنهم (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) فالطالب قبل الامتحان يكون متوتراً.. ولكن جرت العادة أنه بمجرد خروجه من الورقة الأولى يخف توتره، ويألف جو المكان والمراقبة.. فيتحسن أداؤه في بقية المواد.. دائماً أتذكر الدكتور بدوي عبد القادر خليل الذي ذهبت اليه في عيادته بأم درمان وأنا شاب شاكياً من بعض الأعراض.. وكان طبيباً وأديباً.. أحس بميولي الأدبية فتعامل معي بأخوية فائقة وعند قياس ضغط الدم وفي معرض (الونسة) أفادني أن الحكمة من عدم اعتماد القياس الأول للضغط أن المريض يكون متوتراً فيرتفع ضغطه.. فيلغي الطبيب القياس الأول وربما الثاني حتى يهدأ المريض.. فيجيء القياس الصحيح.. رحم الله دكتور بدوي فقد نبهني ألاّ آخذ بالانفعال الأول.. وكان عربون صداقته نسخة من قصته(هائم على الأرض).. سقنا هذا لندلل على أن الطالب يمكن أن يهدأ بعد امتحان الورقة الأولى فيأتي بنتيجة جيدة.. فعلى الأم ألاّ تتجاوب مع إحساسها بالفشل.. و«تزن على أذنه» بأنه ميئوس منه.. وألاّ تقارنه بغيره من الطلبة وحتى إذا جاءها بعد خروجه من مادة وهو يائس فعليها أن تساعده على أن ينساها ويعمل على التعويض في ما تبقى من امتحانات وأن تبدي له ثقتها فيه حتى آخر ورقة. نسأل الله الذي بيده النجاح .. أن يجعله من نصيب جميع الممتحنين والممتحنات (بفتح الحاء) والدارسين والدارسات .. وللأمهات جميعاً التحية .. وكان الله في عونهن.