لأحداث السياسية المتسارعة على الساحة فرضت نفسها على هذه المساحة ليتوارى إلى حين مواصلة ما بدأناه بعنوان «شوارد من الخرطوم»، حيث من المنتظر أن يلتئم في قاعة الصداقة اليوم قادة وممثلو الأحزاب في لقاء وصفوه ب«الجامع» آملين منه أن يخرج بنتائج وآلية لإدارة مسؤولية الحوار الوطني. لم أجد تفسيراً لانعقاد هذا اللقاء في السادس من أبريل والذي شكل منعطفاً مهماً في تاريخ السودان من خلال الإنتفاضة التي أطاحت بالحكم المايوي. فهل سيسجل التاريخ أيضاً ذكرى أخرى شبيهة رغم الفارق في التفاصيل والاتفاق في المحتوى؟. اللقاء الذي يجمع المتخاصمين سياسياً يعتبر في حد ذاته مؤشراً إيجابياً، إلا أن البون لا زال شاسعاً بين الأطياف المختلفة، حيث لا زالت تعشعش في الأذهان مرارات من عدم الثقة والاحتراب السياسي الذي كرس عبر سنوات طوال مفاهيم الإقصاء والتمكين وخلق واقع صعب يستحيل علاج آثاره بين ليلة وضحاها. ورغم أن «الوثبة» فتحت باباً للحوار، ومن ثم الجلوس حول مائدة واحدة لمناقشة مختلف القضايا المفصلية التي يمر بها الوطن إلا أن الأرضية المشتركة كما تزعم المعارضة لا زالت غائبة، وتطالب حزب المؤتمر الوطني الحاكم بتهيئة البيئة المناسبة لإنجاح لقاء كهذا، دون أن يكتفي بتوجيه الدعوات، مع رفضه دعوتها لتكوين حكومة انتقالية قومية تشرف على صياغة دستور دائم للبلاد، كما تشترط المعارضة قيام فترة انتقالية تديرها حكومة قومية تشرف على صياغة دستور دائم للبلاد، مع إعلان وقف إطلاق النار وإتاحة الحريات وإطلاق سراح السجناء والسماح للأحزاب بممارسة حقها في مخاطبة الجماهير في الميادين العامة. إن غياب أطراف فاعلة ومؤثرة على الساحة قد يلقي بظلاله على حجم التفاؤل بالخروج بنتائج مبشرة تنهي أزمة الاحتقان، التي ظلت ملازمة للحالة السياسية في البلاد منذ أكثر من عقدين. البلاد الآن في مفترق طرق والمرحلة الحالية لا تحتمل المماطلات والمماحكات السياسية التي تسببت في تأخير الكثير من الاستحقاقات، وتمسك أي طرف بالحد الأعلى من الشروط لا محالة سيعزز من فرص الفشل، ولا شك أن للمؤتمر الوطني الحاكم الدور الأعظم في إنجاحه وإفشاله باعتباره صاحب المفاصل الرئيسية في مطالب المعارضة والمتحكم الرئيسي في السلطة التي يتنازع حولها الجميع، وبإمكانه تهيئة الظروف المواتية والمعززة من الوصول لاتفاق جمعي قد يفتح الطريق أمام آلية مشتركة للوصول إلى خارطة طريق لحلحلة كل القضايا التي أوصلت البلاد لهذه الوهدة. فاصلة: أمن الوطن واستقراره سياسياً واقتصادياً واجتماعياً يتطلب من الجميع وعلى وجه الخصوص السلطة الحاكمة التنازل عن الاستحقاقات الضيقة التي لا محال أنها زائلة مع استمرار الوضع على ما هو عليه.