ü انتهينا في الحلقة الماضية إلى أن فكرة تعلية الفواتير أو «Overinvoice» التي اتفقت عليها الأطراف- شركة الأقطان وبنك ABC ومدكوت وكلاء الشركات التركية الموردة للمدخلات والتراكتورات واتحاد المزارعين، قد كانت بمثابة العظم الذي كُسى بلحم الاتهامات الأخرى ونسيجها وخلاياها المتكاثرة.. فمن أين نبتت فكرة «التعلية» التي تعاملت معها كل تلك الأطراف- الرسمية والنقابية والتجارية- على أنها عملاً مشروعاً لا يشكل أي مخالفة لقوانين البلاد المُستقبلة للصفقة (السودان) ولا تلك التي تستجلب منها المواد (تركيا أو أي دولة كانت).. وهنا- كما أرى- «ضربت الشفافية الوَطة» باعتبارها «كلام مثقفاتية ساكت». ü صديقنا عادل عبد الغني- محامي الدفاع- يروي أسباب الواقعة- واقعة ال«تعلية»- فيقول: كلّفت شركة السودان للأقطان ومديرها د. عابدين محمد علي مكتبهم في بورتسودان بعمل دراسة وتقدير تخليص وترحيل مدخلات الانتاج والتراكتورات، التي تتضمنها الصفقة مع (ABC) والأسمدة والخيش ومعدات رش وآليات ري، وجاء رد المكتب بعد الدراسة بأنها تتكلف (18) مليون يورو وزادوها مليوناً آخر، ربما من قبيل الإحتياط للمصروفات «غير المرئية».. ويضيف عادل: في ذلك الوقت كان مؤشر التمويل للصادر في بنك السودان بتكلفة 13% في العام، بينما تمويل بنك (ABC) يكلف (5.8%). ü أعيد- بحسب محدثي- ارسال 15 مليوناً من تلك ال(19) مليون يورو إلى الشركات التركية ومنها شركة «بلقان» التي رسا عليها عطاء المحالج- كما سبقت الاشارة- والتي يعتبرها بنك السودان وشركة الأقطان «وعاءً للتمويل»، فقامت «بلقان» بارسال مبلغ التعلية لحساب شركة «مدكوت» نسبة للمقاطعة الأمريكية لشركة الأقطان المدرجة ضمن الشركات المقاطعة.. وهذا هو المبرر الذي يرفعه الدفاع في وجه الإتهام والمراجع العام، في القضية الجنائية، والذي يتهم عابدين ومحيي الدين بالتلاعب في مبلغ «التعلية». ü الدفاع، ممثلاً في محاميه عادل- محامي محيي الدين- يستند إلى أن كليهما- عابدين ومحيي الدين- ليسا جزء من الإدارة المالية لشركة مدكوت ولا علاقة لهما بالتصرف في حساباتها- برغم أن محيي الدين هو العضو المنتدب للشركة والشريك الأكبر فيها بنسبة 30%- والشركة قدمت قوائم مالية واحتفظت بحسابات تحدد أوجه التصرُّف في مبلغ التعلية في ما خصص له من ترحيل وتخليص. ü لكن بما أن كل شيء في رمال السوق السوداني متحرك، بما في ذلك سوق العملات، فقد برزت مفارقة جديدة مع التدهور الذي أصاب الجنيه السوداني، فتضخَّم مبلغ التعلية ب«اليورو» الذي حددته دراسة مكتب الأقطان في بورتسودان، فقامت مدكوت بالتصرف في الزيادة المتأتية من ذلك التدهور بدفع بعض إلتزامات شركة الأقطان الخاصة بتوفير المكون المحلي للمحالج المقترح انشاؤها والممولة بواسطة «البنك الاسلامي- جدة».. ü بذلك تمحورت التهم الموجهة لعابدين ومحيي الدين في التصرف بمبلغ التعلية الذي وصل لحساب مدكوت، واعتبره الاتهام- بناء على تقرير المراجع العام- بمثابة «اختلاس».. ويدفع عادل بأنه لا مدكوت ولا عابدين ولا محيي الدين هم الذين قرروا أو حرروا «مسألة التعلية» بل اتحاد المزارعين الذي يمثل أغلبية في مجلس إدارة الأقطان، ويتحكم بالتالي في قرارها.. وهنا لديّ ملاحظة مهمة في دفع عادل «القانوني» هذا.. فهو يمكن أن يكون صحيحاً من حيث «الشكل»، فالمزارعون واتحادهم الذي يشبههم- من حيث مستوى التعليم والثقافة- قد تكون له الأغلبية فعلاً في عدد الجالسين حول طاولة مجلس الإدارة- لكن من يبلورون المقترحات ويصيغون القرارات ويقنعون بها الأعضاء هم الخبراء في الإدارة والحسابات والتجارة، وهم الذين قاموا بالدراسة وحددوا المبالغ المطلوبة للتخليص والترحيل وتصرفوا في المبالغ الفائضة بعد تدهور الجنيه وتضخم العملة الصعبة والتي تراكمت في خزائن مدكوت.. فالمزارعون وممثلوهم لم يكن دورهم أكثر من الموافقة أو «البصم» على مقترحات جاهزة ومدروسة وموضبة من قبل «الأفندية الخبراء» من الأقطان ومدكوت.. ألا تتفق معي- أخي عادل- أن هذا هو «جوهر» القضية ولبها الذي يجعل من «أغلبية المزارعين» في مجلس الإدارة مسألة «شكلية» قد تخدم الدفاع في مرافعته، لكنها مرافعة قد لا تصيب نجاحاً في اقناع القاضي كحجة يتبناها بضمير مرتاح وقلب مطمئن؟ ü سألت عادل عن موضوع العربة ال«بي أم دبليو» التي تحدثت الصحف عن أن شركة مدكوت ومحيي الدين قدموها أو «أهدوها» لمدير شركة الأقطان عابدين، فأجاب عادل، بالقول: إن عابدين كان قد طلب من مدكوت أن تساعده في استيراد عربة بي إم دبليو، ولكن عندما وصلت وعرض عليه محيي الدين فاتورة الإستيراد، رأى عابدين أن ثمنها غالٍ ورفضها وأعادها لمحيي الدين.. ومع ذلك يثور أكثر من سؤال حول ما الذي يجعل عابدين يطلب من محيي الدين- بالذات- تزويده بالعربة المذكورة، هل مدكوت ومحيي الدين وكلاء ل«بي إم دبليو» في السودان؟ أم أن عابدين كان يتوقع- بحكم المعاملات والتعاون بين شركتيهما- أن تأتيه بكلفة أقل من سعرها في السوق؟.. لا أملك إجابة، ولا أود أن أدخل في التخمين، لكنها اسئلة مشروعة على كل حال. (نواصل)