واليوم نقول للجنرال سلاماً ووداعاً.. وقبل الوداع ومساهمة منا في فقده الجلل.. وكيف استشهدت آماله الشاهقة التي عقدها على الانقاذ وتلك الخطب الحماسية التي كان «يصطبح» بها يوماتي ويصبحنا بها عند كل صبح جديد.. لهذا كله ومن أجل هذا جله نهديه أبياتاً مكتوبة بالدموع بل نصاً للنفس.. أشد وقعاً وايلاماً من رثاء مالك بن الريب التميمي.. كلمات بطعم الحنظل كتبها الأنيق إبراهيم ناجي يا فؤادي رحم الله الهوى.. كان صرحاً من خيال فهوى أسقني واشرب على أطلاله.. وأرو عني طالما الدمع روى كيف ذاك الحب امسى خبراً.. وحديثاً من احاديث الجوى وبساطاً من ندامى حب.. هم تواروا أبداً وهو إنطوى يا رياحاً ليس يهدأ عصفها.. نضب الزيت ومصباحي انطفأ وأنا أقتات من وهم عفا.. وأفي العمر لناس ما وفى كم تقلبت على خنجره.. لا الهوى مال ولا الجفن غفا واذا القلب على غفرانه.. كلما غار به النصل عفا نعم يا جنرال.. «ناجي» ينعي حباً عاصفاً عاتياً بينه وبين حبيبه.. وأنت يا جنرال أشد عذاباً منه.. فقد ضاعت منك الانقاذ.. وتهرأت تلك الرايات التي كنت ترفعها وبها تفخر وتفاخر.. ظننت إن السودان وبفضل تلك الثورة ستصل إلى قلب الشمس.. وها أنت تكتب في أسى إنه لا يجرؤ الآن من يحتفل بذكراها و«كلامك صاح»..لأن «الانقاذ» الآن ليست تلك التي كنت تبشر و «تعرض» في فضاء الأثير وكلماتك تجلجل كما الرعد.. ولا زلنا نذكر في وجع كيف كنت تمطر الأحزاب التي انقلبت عليها الانقاذ بالحارق من الحروف والجارح من الكلمات ما تركت بوصة في جسد تلك الأحزاب والا كان لك فيها طعنة من كلمة أو ضربة من حرف أو جرح من مفردة.. وها هي الانقاذ الآن تمد يدها بيضاء لكل تلك الأحزاب بل ها هي «تطلع مداعي» مستجدية تارة ومناشدة تارة أخرى الأحزاب للحوار والتفاكر في قضايا الوطن.. ولا تمانع حتى في أن تشترك معها الاحزاب في حمل الوطن الذي ظنت الانقاذ وظننتم كلكم إنكم وحدكم القادرون على حكم الوطن.. سيدي الجنرال.. هل تتذكر تلك الأيام «المفرحة» بالنسبة لكم «المفزعة» بالنسبة لنا عندما كنتم تتقافزون وتعرضون وترفعون «العصي» وانتم في مرح وهياج وحبور ومنشدكم شنان أو القيقم أو عبد الحليم لا يفرق.. يزحم الفضاء بأناشيد الأحلام ولا أقول الأمل بل أكاد أتبين «القسم» والثقة المطلقة بين ثنايا الكلمات.. وأنتم تراهنون بأنه وخلال سنوات سيتحول الوطن إلى «بافاريا» أو «هولندا» أو براري كندا أو سهول بلاد اليانكي.. «ونأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع».. و«ما دايرين دقيق فينا قمحنا كتير بكفينا».. وها انتم اليوم بل الآن.. تستقبلون في فرح الأطفال في العيد السفن العملاقة محملة بالقمح وهي ترسو في سواحل الأحمر وها أنتم الآن «تستوردون» حتى «الدمورية» و «دبلان» الأكفان من باكستان وهل نذهب إلى أحاديثكم في تلك الأيام المخيفة عن الحرب والسلام.. «نسيت وللا نذكرك» نذكرك بالأناشيد التي جلجلت في قاعات «القاعة» وكيف كنتم تلهبون مشاعر أنفسكم عندما تهدرون «أمريكاروسيا قد دنا عذابها».. وها هي أمريكا لم تتعذب بعد.. ولا أظنها ستتعذب إلا يوم الحشر عند الميزان أما روسيا فقد صارت السند والركيزة لكم في مجلس الأمن.. بل أن «جبارتكم» رهينة بمساعدة روسيا لكم في كل يوم كريهة وامتحان.. يا جنرال.. والله كان يمكن أن نقلب معكم وعود صفحات الانقاذ في تلك الأيام صفحة صفحة.. نقارن بالوعود التي هطلت كما الوابل وبين الواقع الآن الحزين ولا أقول البائس.. ولكن رفقاً بك وبكل الذي راهن على الانقاذ صادقاً.. مخلصاً ممنياً النفس والوطن بالمعجزات في زمن عزت فيه المعجرات وبين الراهن الآن.. لك الود والتحايا