لم يبق لوزير الصحة الولائي مأمون حميدة غير أن يطالب بحظر أغنية أبو عركي البخيت(لفافات الصبر أنا دخنتها) ، حيث لم يترك الوزير مفردة كاسحة إلا و إستدعاها في هجومه الضاري على كل من تقاعس عن دوره في حملة مكافحة التدخين .. و قال الوزير الإتحادي بحر أبو قردة أن قوى خفية تعطل تطبيق قانون التبغ . لا خلاف على خطر و مضار التدخين ، و من ثمّ فلا خلاف علي تثمين جهود الوزارتين الإتحادية والولائية ، لكن ألاحظ أن الوزير الولائي يعالج هذا الأمر ب(غضبٍ) في حين أنه أمر يتعلق بعادة هي أقرب إلى الإدمان، ولن تنتهي، لتبقى غاية ما يطمح إليه كل مشفق هو تقليل نسبة المدخنين و تخفيف آثار التدخين عليهم ، و عليه فإن الصبر هو السمة الضرورية لحملة كهذه .. و يلاحظ أن القوانين كانت حاضرة بقوة في حديث الوزير الإتحادي في اليوم العالمي لمكافحة التبغ حيث إتهم جهات غير معلومة بسحب المواد (القوية) التي أدخلتها الوزارة على قانون مكافحة التبغ لعام 2005.. بينما هاجم الوزير الولائي قانون الإستثمار الذي يسمح لمستثمرين أجانب بالإستثمار في صناعة التبغ بعد أن منعوا في بلادهم .. لكن القوانين على أهميتها لن تكون العامل الأهم في إنجاح محاصرة التدخين ، فالقانون يمنع بنصوص (قوية) المخدرات، و مع ذلك ينتشر البنقو وسط الشباب لدرجة جعلت الأمر موضوع تحقيق صحفي شبه راتب ، الشيء الذي يعلي من أهمية عوامل أخرى مثل التوعية، و برامج ملء الفراغ و غيرها .. و عجبت من إستنكار الوزير الولائي لسماح السلطة ببيع مصنع حجار، فهل يفهم أن الوزير (يحلم) بعدم وجود مصنع للسجاير في السودان ؟ و لم أفهم تعجبه من نيل الدولة ثلاثمائة مليون دولار ضرائب من شركات التبغ كل ثلاثة أشهر ، إذ يعرف أن تصعيد الضرائب على منتجات التبغ إحدى الوسائل التي إتبعتها دول سبقتنا في محاولات الحد من التدخين، و وجهت نسبة عالية من الضرائب في التوعية بمضار التدخين أو في ميزانية الصحة لمعالجة أمراض التدخين . أرى أن السبب الرئيس في تحويل حملة الوزارة من حملة صبورة إلى حملة غاضبة هو أن القائمين عليها من غير المدخنين .. و لو أشرك مدخنون في الحملة لأمكن للوزارة وضع خطة(معقولة) حيث يعرف المدخنون متاعب التدخين أكثر من غيرهم ، و يعرفون ما يمكن أن يحتمله المدخن من سياسات أكثر مما يعرف غيرهم .. و أرجو ألا تخشى الوزارة ظهور مدخن فصيح يعرف كيف يشرح متعة التدخين ، أو أن يستشهد أحدهم بالمدخن محمد متولي الشعراوي، أو أن يقول أحدهم : و ما فائدة الموت برئة صحيحة ما دام الجميع ميتين لا محالة ؟