أحبتي.. وما زلت أتوجع.. أرسل لكم أنيني وآهاتي.. وأكشف جراحي.. أنا صامد في هذا الوطن الجميل.. غارق حتى آخر سبيبة في رأسي في خضم شعب مدهش نبيل وفريد لا أطيق لمحة أو لحظة وأنا خارج خيمة اكسجين الوطن البديع.. نذرت قلمي ومدادي أن أنقل لكم ما استطعت لحظات فرح الوطن وآهات وأحزان الوطن.. ولكن كل الأبواب موصدة.. ولو «تصدقوا» إن دعوات السادة الوزراء والمسؤولين والولاة والمعتمدين تهطل على سماء اساتذتي وزملائي وأصدقائي من الصحفيين كل يوم.. كل يوم.. ليكونوا حضوراً لافتتاح أو تنوير أو لقاء أو تفاكر.. ما عدا هذا القلم.. وتماماً مثل سيد خليفه وهو يبكي كل زول لي حبيبو عاد إلا إنت ما ليك ميعاد. و «هيجتني» الذكرى وكل هذا الشريط الحزين طاف بذهني.. ويكاد يكون قلمي هو القلم الوحيد الذي لم يشهد أحزان وطني الذي اجتاحته السيول وارعبته الأمطار.. لا يهم فهذا هو عهد «ولاية الخرطوم» التي ضمرت لها هجراناً مثل ذاك الذي انشد.. إني قد ضمرت للنيل هجراناً منذ قيل لي التمساح في النيل.. نعم بدأت الولاية بمقاطعة قلمي و «أنا تميت الناقصة».. حزنت حدّ البكاء والسادة القياصرة يتفقدون مناطق الأحزان والكوارث ومعهم رهط من أحبتي الزملاء الصحفيين.. وأنا بعيد عن كل ذلك.. رغم اني وغير اني أحمل قلماً وأصنف صحفياً.. أقول غير هاتين الصفتين فأنا خرطومي ميلاداً ونشأة وعمراً وهذا لا ينتقص مثقال حبة من خردل لحبي الجارف لكل شبر في ولايات الوطن الحبيبة.. بل أنا ولا أظن هناك من يشاركني في اني لم أبيت ليلة واحدة طيلة حياتي خارج أسوار مدينة أم درمان وأنا داخل الوطن.. و«حاجة مهمة» إني أملك في الخرطوم أكثر مما يمتلكه الدكتور الخضر نفسه.. ونذهب إلى دعوة أخرى اخطأتني وطبعاً- عمداً- فقد كنت أتوق بل كنت أتحرق شوقاً متحرق آملاً في يوم كنت استدنيه اقتراباً وهو الجلوس والتوهط في قاعة تتلألأ فيها نجوم الوطن المهاجرة والأحبة المغتربين كنت آمل متمنياً لو كنت حضوراً في تلك الكوكبة التي كانت تحمل الوطن بين ضلوعها موشوماً في تجاويف صدورها في المهاجر البعيدة رصانة سفراء في بلاد تكسوها الرمال.. وموانيء تضج فيها السفن.. وبلاد مغسولة شوارعها بالجليد.. وبلاد تحجب عنها أشعة الشمس كثافة الغابات كنت أتمنى أن «أطلب» فرصة مستحيلة من المنصة التي حتماً ترفض لأنتزع «المايك» عنوةً لأقول لكل أولئك الذين يمسون ويصبحون على بكائية كابلي- زمان الناس هداوة بال وانت زمانك الترحال.. كنت سأقول لهم إنه وبعد أن تنفرج أسارير الوطن.. وبعد أن أفتر ثغره عن ابتسامة بطول نيل، وبعد أن تضحك سما الخرطوم وتصحا.. نرجو منكم ان تحزموا حقائبكم وتهبطوا السودان إن شاء الله آمنين لتُروى بعرقكم الذكي تربته لتزهر قمحاً وازهاراً ورياحين.. لتنشروا علماً يحتشد في عقولكم وصدوركم لطلاب الجامعات.. لترتقوا بأناملكم الفنانة وبمشارطكم المؤهلة جراحاً وتكسوا ابناء شعبكم أثواب العافية.. كنت سأقول ذلك ولكن قاتل الله «لكن» هذه وقاتل الله كل من ساهم في صنع «لكن» هذه.. وختاماً نذهب إلى موضوع أو أمور عجيبة من عجائب الدنيا الألف.. تصدقوا يا أحبة إنه وقبل سنة وصلني خطاب من وزارة الصناعة ممهوراً من مكتب وزير الصناعة الاتحادي الاستاذ المهذب السميح الصديق يخطرني فيها بأني قد صرت أحد أفراد مكتبه الاستشاري.. واطمئنوا يا أحباب انه تكليف بلا اي «مخصصات» حتى لا يذهب «مخكم» بعيداً ليس ذلك مهماً المهم انه قد تمت عبر تلك الشهور عشرات بل مئات الفعاليات والافتتاحات وعشرات من التطوافات بل تم في تلك الفترة معرض للصناعات في معرض الخرطوم الدولي وكان كل الحضور الصحفي هناك ما عدا هذا القلم المضطهد عجيب أمر هؤلاء الناس.. ماذا كان يكلف هؤلاء لو ارسلوا لي «ورقة مقوية» بها «سطرين» لأكون حضوراً.. لا يهم المهم.. يا أحبة أنا من الذين لا يفرحون بما اتاهم ولا يحزنون على ما فاتهم ولكني حزين.. حزين.. أحبتي.. الست محقاً الآن أن أقول إني صحفي من الدرجة العاشرة؟؟