عندما تفجرت ثورة الإنقاذ الوطني في ليلة الثلاثين من يونيو 1989م واستلمت زمام الأمر في البلاد (الوطن الغالي)، وجدت خزينة الدولة خاوية على عروشها ومخازن السكر بالمصانع لا توجد فيها ولا أوقية واحدة من السكر، ووقتها وجه قائد الثورة العميد الركن عمر حسن أحمد البشير كافة أفراد الشعب السوداني بالتحلي بالصبر واستخدام البدائل حتى تدور ماكينات مصانع السكر.. وبالفعل استخدم المواطنون شرب الشاي والقهوة بالتمر والحلاوة وعلى الحديدة.. وساعتها تم تكوين لجنة وزارية لدراسة مشاكل القطاع الصناعي بصفة عامة وعلى وجه الخصوص مصانع السكر برئاسة دكتور عوض أحمد الجاز. وبالفعل وبلغة البيان بالعمل مع إشراقات الإنقاذ الأولى وصدق توجهها، وفي يوم الأربعاء السادس عشر من نوفمبر عام 1994م وعند الخامسة والنصف صباحاً، ومن أمام مبنى مجلس الوزراء تحركت اللجنة الوزارية بوفد رفيع المستوى، يضم رئيس اللجنة دكتور عوض أحمد الجاز وزير رئاسة مجلس الوزراء آنذاك، ودكتور نصر الدين أحمد عمر وزير الدولة بوزارة الصناعة والتجارة، ومحمد إبراهيم مدير المؤسسات بوزارة المالية ودكتور مجذوب الخليفة وزير الدولة بوزارة العمل والإصلاح الإداري، والمهندس على أحمد عثمان مقرر اللجنة وجعفر حسين من وزارة الصناعة والتجارة، ودكتور عوض علي بلال من المؤسسة العامة للبترول ومحمد صالح عبد الحفيظ من وزارة الصناعة والتجارة، وممثل اتحاد الغرف الصناعية ومندوب الهيئة القومية للإذاعة وأحمد عبد الله التوم من إعلام الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وحمدي وداعة الله من إعلام الأمانة العامة لمجلس الوزراء وشخصي العبد المفتقر إلى الله ممثلاً للصحافة عبد الرحمن حلاوي (صحيفة القوات المسلحة).. وتحرك هذا الركب على بركة الله ودعوات الفجر لنصل لمصنع سكر سنار عند التاسعة صباحاً، ليبدأ برنامج دكتور الجاز والوفد المرافق له بالاجتماع بالإدارة العليا لمصنع سكر سنار ثم تناول وجبة الإفطار باستراحة المصنع، ومن ثم الاجتماع بممثلي فئات العاملين لنتوقف بعدها في جولة داخل المصنع والذي يقع في ولاية سنار، على بعد أربعين كلم شمال غرب مدينة سنار وعلى بعد ثلثمائة كلم جنوبالخرطوم و 21 كلم غرب مدينة ود الحداد، حيث تم تنفيذ هذا المصنع في الفترة ما بين 71 - 1976م بطاقة تصميمية 110 آلاف طن سكر في العام، حيث تبلغ مساحة المزرعة 5.34 ألف فدان.. كما وقف الوفد على الكيفية التي يتم بها تصنيع السكر بدايةً بدخول القصب للمصنع وغسله وتنظيفه وتقطيعه، ثم عملية الطحن إلى أن يتحول إلى عصير مروراً بالغلايات والأحواض، حيث تتم عملية إضافة المادة المبيضة ثم يجفف ويصب في الجوالات ويمر بالسير إلى ساحة الإنتاج ومن ثم إلى المخازن.. هذا وبعد الانتهاء من الجولة داخل المصنع تحرك الركب إلى مدينة سنار (رئاسة محافظة سنار)، ليكون في استقبال الوفد محافظ سنار الأستاذ طه الكودة آنذاك والدخول مباشرة في اجتماع مغلق مع الكودة وطاقم محافظته.. هذا وعند الواحدة ظهراً تحرك الوفد إلى مصنع سكر عسلاية، وعند جبال موية أوقف دكتور الجاز كانفوي العربات وسلم أمير كل عربة كيساً من الفول المدمس، في إشارة ذكية أن هذا بمثابة وجبة الغداء.. وعند الساعة الثانية والنصف وصلنا إلى عسلاية لنجمع مباشرة بين صلاتي الظهر والعصر قصراً، ثم الاجتماع بالإدارة العليا للمصنع والاجتماع بالعاملين والجولة التفقدية داخل مصنع سكر عسلاية، هذا المصنع الذي يقع في ولاية النيل الأبيض على الضفة الشرقية، وعلى بعد عشرة كلم من مدينة ربك و280 كلم جنوبالخرطوم، حيث بدأت عملية تنفيذ المصنع في عام 1974م وبدأ تشغيله في يناير 1980م بتكلفة بلغت واحد وعشرين مليون جنيه إسترليني، وبطاقة تصميمية إنتاجية 110 آلاف طن من السكر الأبيض في العام.. وعقب الانتهاء من الجولة داخل مصنع عسلاية أدينا صلاة المغرب والعشاء، وتحركنا لكنانة لنصلها في ساعات متأخرة من الليل ونبيت بها. هذا وعقب وصول دكتور عوض أحمد الجاز والوفد المرافق له لكنانة كان الاستقبال حاراً من إدارة كنانة العليا وإدار ة كنانة بالموقع.. ومن الطرائف وفور الوصول تحدث دكتور الجاز وبشفافيته المعهودة وقال لإدارة كنانة: نحنا يا أخوانا صلينا عشانا وأتعشينا في عسلاية بس دايرين تورونا غُرفنا وجاهزين للنوم.. وساعتها كانت الاستجابة الفورية من إدارة كنانة بالموقع. هذا وفي الصباح الباكر من يوم الخميس السابع عشر من نوفمبر 1994م وعند الساعة السابعة صباحاً وبقاعة كنانة الكبرى بالموقع، تم عقد الاجتماع بالإدارة العليا للمصنع وتحدث دكتور الجاز بلغة صارمة وقوية، موضحاً أن كل من يتلاعب باقتصاد البلاد ويتهاون سوف يجد جزاءه، وإننا في الإنقاذ جئنا لننقذ السودان ونخلصه من صفوف الوقود وصفوف الخبز، ونزيد ونضاعف الإنتاجية في مصانعنا مع الاعتماد على الله أولاً ثم أنفسنا (ذاتنا)، محررين لقرارنا السياسي وممتلكين قرارنا بعيداً عن سياسة التركيع والتجويع ومد القرعة للغير.. وهذا الحديث ألهب الحماس في نفوس إدارة كنانة لينعقد الاجتماع الثاني بممثلي فئات العاملين، ومن ثم جولة تفقدية داخل مصنع سكر كنانة حيث تم التأسيس في عام 1975م بهدف استغلال إمكانات السودان الهائلة في إنتاج ثلاثمائة ألف طن سكر في العام، ليتم تصدير 150 ألف طن منها لجلب العملات الصعبة ويوزع باقي الانتاج محلياً تحقيقاً للاكتفاء الذاتي من سلعة السكر، مما يساعد على تحسين موقف ميزان المدفوعات عن طريق الاستغناء عن الاستيراد والحصول على عائد من تصدير فائض إنتاج السكر، هذا إلى جانب خدمة متطلبات الزمن الغذائي العربي كإستراتيجية قومية.. وكذلك من الأهداف خلق فرص للعمالة الوطنية والإسهام في تطوير وتقوية البنيات الأساسية في السودان، والنهوض بمنطقة المشروع اجتماعياً بخلق مجتمع تتوافر له الخدمات الصحية والعلاجية والتعليمية والثقافية والمعاشية والأمنية الحديثة. خبير وطني في السكر