٭ هل قلت أبشر ب«بعض سلامة» يا داعشِ.. ولم أقل أبشر ب«طول سلامة» يا داعشِ.. على وزن (أبشر بطول سلامة يا مربعِ).. نعم ب«بعض» سلامة، فالتبعيض.. وليس «الطول» والتمدد المفتوح، والنجاة المستدامة هو الأنسب لتوصيف ما هو متوقع لمصير تنظيم الدولة الاسلامية (داعش).. الذي هو التمظهر الأخير لجماعة «القاعدة» وبلوغ «أعلى مراحل المشروع» الاسلاموي المتشدد الذي أسس له اسامة بن لادن، ليخلفه أيمن الظواهري، بعد أن قضى نحبه في داره بباكستان على أيدي فرقة أمريكية خاصة للمطاردة والقتل.. لكن أيمن الظواهري وبعد سنوات قليلة عاش ليرى، على غير ما توقع خليفة مفترض ل«المسلمين»، يحتل موقع المأمون والرشيد في أرض الرافدين هو (أبوبكر البغدادي)، «الفات الكبار والقدرو». ٭ أبوبكر البغدادي -خليفة داعش وقطعاً ليس المسلمين- فات الكبار والقدرو، بتوظيف «الرعب» والقسوة المطلقة، بالصوت والصورة، بجز الرؤوس واستعراضها محمولة على أيدي القتلة أو موضوعة على القدور أو حتى على أيدي الأطفال الأبرياء، تمثيلاً واستهانة بالنفس التي حرم الله ازهاقها إلا «بالحق» وللحق مبادؤه ونظمه واجراءاته حتى في أوقات الحرب، منذ فجر الاسلام وحتى «اتفاقية جنيف». ٭ اكتشف البغدادي و«الداعشيون» أن أقرب السبل للانتشار، هو ليس العنف فقط، بتفجير الأحزمة الناسفة أو العربات المفخخة والحاق أكبر الخسائر بصفوف من يعتقدون أنهم الأعداء.. على طريقة القاعدة والمنظمات الجهادية الأخرى.. العدو عندهم، كما هي عقيدة «الخوارج» هو «العدو القريب»، المسلم الذي يخالف فهمهم الضيق والمتعسف للنص المقدس وللتراث الاسلامي وللجهاد.. والعنف عندهم هو استعراض الذبح والتمثيل والاستهانة بكل قيم الانسانية والاديان والحضارات.. حتى تؤتي الصدمة أكلها. ٭ علينا أن نعترف بأنهم سجلوا نجاحاً سريعاً وباهراً في لحظة ارتباك تعيشها المنطقة بفعل «الربيع العربي» من جهة وبتداعيات الغزو الأمريكي للعراق، الذي جَّرف وجرَّد العراق من قوته بتسريح جيشه كأول مهمة اطّلع بها الغزاة فور هبوطهم بغداد.. مُطلقاً يد المليشيات الطائفية المتعلقة بذيله، فانكشف العراق أمام شذاذ الآفاق رافعي ألوية الاسلام بهتاناً وزورا من كل الملل والنحل. ٭ تكرر الشيء ذاته في سوريا، عندما حّول بشار الأسد جيش بلاده «العقائدي» إلى آلة لحصد أرواح شعبه وحول بذلك ثورة الشعب السلمية على حكمه إلى ثورة مسلحة فانشق إلى جيشين «جيش النظام» و«الجيش الحر» الذي خرج من صفوفه ليدافع عن أبناء شعبه في وجه الدمار والقتل والتعذيب.. فقد بشار السيطرة على البلاد فانكشفت أمنياً وانفتحت أمام الجماعات المتطرفة والتكفيرية التي لبست ابتداءاً أقنعة الثورة الداعية للحرية والعدالة والكرامة الانسانية، لتخلعها بعد حين وترتدي الأقنعة السوداء وتحمل الرايات السوداء معلنة عن سواد نواياها تحت اسماء داعش والنصرة وجند الشام..الخ.. كانت الأجندة الطائفية الشيعية حاضرة أيضاً عبر «حزب الله» و«الحرس الثوري الايراني» لنصرة بشار تحت شعار «الممانعة» ومقاومة العدو الاسرائيلي، فاحتلت داعش حقول النفط في الشمال الشرقي، وحصلت على الأموال عبر التهريب.. بما يعادل مليوني دولار في اليوم، مثلما حصلت على 054 مليون دولار من خزائن الموصل في يوم واحد عندما وقعت المدينة تحت قبضتها واستولت على أسلحة أمريكية متطورة لست كتائب من «الجيش العراقي المليشاوي» الذي استسلم أمام زحفها و«رضي من الغنيمة بالاياب».. ٭ تحتل «داعش» اليوم ما يقارب ثلث العراق وجزء مقدر من شمال شرقي سوريا (محافظة الرقة وما حولها)، وتمددت كذلك في الحدود السورية-العراقية عند منطقة «دير الزور» وتواصلت مع فرعها في العراق.. وأضحت بذلك تمثل خطراً على أمن كل الدول المحيطة.. السعودية ودول الخليج مجتمعة والأردن ولبنان الذي احتلت لوقت فيه «عرسال» وما حولها وخطفت الجنود اللبنانيين والمدنيين، وفاوضت واعدمت، كما مثلت تهديداً للأردن من الداخل، برغم قوة الجيش والمخابرات الأردنية، حيث يوجد آلاف المتطرفين والتكفيرين الذين يدينون لها بالولاء ويشكلون رصيداً جاهزاً يمكن تحريكه في الوقت المناسب. ٭ تصعد «داعش»، وتعلن «خلافتها» المفترضة-المزعومة في أشد أوقات «النظام العربي» ضعفاً وحرجاً وارتباكاً، بفعل ما سمى ب(الربيع العربي)، الذي تحول بين ليلة وضحاها من «ثورة شعبية» على حكام طغاة ظالمين إلى «فوضى خلاقة»، تماماً كتلك التي خططت لها الولاياتالمتحدة منذ تسعينيات القرن الماضي واعلنت عنها الأمريكية السوداء وزير الخارجية كوندليزا رايس.. رأينا ذلك في تونس وفي اليمن -التي وقعت عاصمتها اخيراً تحت قبضة الحوثيين الشيعة الزبيديين- وفي سوريا وفي ليبيا، وفي مصر، لولا أن شعب مصر مسنوداً بجيشه الوطني «لحق نفسه» وأعاد ثورة 52 يناير 1102 ومبادئها بانتفاضة 03 يونيو 3102 ٭ أهمية داعش، بل خطرها، جعلها بين لفتة عين وانتباهتها موضوع الاعلام الدولي الأثير.. بالخبر والصورة والتحليل.. بل أصبحت على رأس اجندة المجتمع الدولي.. فهي المرة السادسة في تاريخ مجلس الأمن التي يعقد فيها اجتماعاً طارئاً على مستوى الرؤساء بدعوة من الرئيس الامريكي.. واحتلت داعش والارهاب الدولي الموضوع رقم واحد أيضاً في أعمال الدورة «التاسعة والستين» للجمعية العامة للأمم المتحدة.. وسبق ذلك تشكيل تحالف دولي تصدرته الولاياتالمتحدة في «اجتماع جده» منذ ثلاثة أسابيع شاركت فيه عشر دول عربية، لكنه ومن خلال خططه المعلنة، لن يفعل أكثر من «مطاردة جوية» لقوات داعش التي تتحرك على الأرض، يُلحق بها بعض الخسائر التي سرعان ما تعوضها، و«تحتسب» جنودها ورجالها الذين طالهم القصف «شهداء» بحسب منطوق «آيديولوجيتها» وأفكارها المسبقة، وتواصل على تلك الأرض أعمال الذبح والتمثيل والتشريد والتجريد لمخالفيها حتى من متعلقاتهم الشخصية كما فعلت بالمسيحيين والإيزيديين العراقيين، وسيقوم أنصارها بالحاق الأذى بكل من تطالهم أيديهم إينما وجدوا حتى في أوربا وبلاد العم سام.. فالداعشيون قومٌ من الخوارج مستقتلون و«طالعين للريبة والتلاف» بدعوى الاستشهاد ودخول الجنان والفوز بالحور العين.. غداً نواصل انشاء الله