وجود أكثر من وجهة نظر حول أية مسألة أمر مفروغ منه، ومع ذلك وجد (الرأي الآخر) مشقة بالغة حتى تمكن من إيجاد مساحة لنفسه في ساحة الحوار.. لكن لابد من الإقرار بأن للرأي الآخر حدوداً حتى لا تبتذل ديمقراطية الرأي الآخر، فيصبح معيقاً لقرارات اتخذت (بعد) أن وجد الرأي الآخر حظه من النقاش.. في ذهني معارك طويلة حول قرارات انحازت لخيارات دون أخرى، مع الإقرار بأن للأخرى حجج، لكن لابد في النهاية من إتخاذ قرار واحد حيث يستحيل تطبيق كل الرؤى في آن واحد.. في ذهني معارك نقل الخدمات الصحية للأطراف، وزراعة القطن المحور، وتدريب الفريق القومي، ومعركة كنانة، وشورى القضارف الذي أعاد كرم الله للأضواء، وأمثلة أخرى كثيرة لا يغادر فيها الرأي الآخر موقعه حتى بعد تجاوز مرحلته.. الإصرار على إبقاء الرأي الآخر حاضراً حتى بعد اتخاذ القرار هو الذي يفسر طول المعارك في أمور يفترض أن تكون قد حسمت بإجراء بسيط، لينصرف القوم لمسائل أخرى من هموم الوطن الكثيرة.. ومع طول المعارك يتوهم المواطن وجود معركة حقيقية.. ويظن أنه مطالب بتحديد موقف وطني واضح من الفريقين، ويعلن إن كان منتمياً إلى حزب تفكيك المستشفى أم إلى حزب (تعيش المستشفى)، ويعلن كذلك إن كان من حزب القطن المحور أم حزب القطن طويل التيلة، وإن كان في حزب المرضي أم حزب السميح، وفي حزب مازدا أم حزب المدرب الأجنبي.. وإذا تعلمنا في أبجديات الإجتماعات ألا نقاش بعد الشروع في التصويت، ومن ثم لا نقاش ولا اعتراض على قرار تمت إجازته، يفترض أن نعي في الحياة العامة ضرورة احترام قرار تمت إجازته ولو كنا معترضين عليه في مرحلة المداولة.. ولولا هذا الضابط لاستمر النقاش إلى يوم القيامة بدعوى حرية الرأي وإعطاء الفرصة الكافية للرأي الآخر.. ولو ظل أصحاب الرأي الآخر متمسكين برأيهم حتى بعد إتخاذ القرار لما سارت الحياة، فهل يظل المواطن منتظراً دوره في العلاج بلا جدوى، لأن أصحاب الرأي الآخر يعيقون قرار نقل الخدمات.. وهل يبقى الفريق القومي بلا تشجيع لأن مازدا أشرك صلاح الجزولي ولم يشرك أحمد الباشا.. وهل يضرب المزارع عن زراعة القطن المحور لأنه كان يفضل زراعة الفول المصري؟؟ الرأي الآخر المفترى عليه أوجد لإثراء النقاش وزيادة الخيارات والبدائل (قبل) اتخاذ القرار النهائي، ولم يوجد للإعاقة بالحضور (بعد) إجازة القرار.