أحلام اقتصادية: أعد الآن كتاباً عنوانه (أحلام اقتصادية) يجمع عدة مقالات، كنت قد كتبتها في عمود تحت نفس العنوان، وقد حاز هذا على اعجاب كثيرين، ولكنني أعلم أنني لست اقتصادياً، ودراساتي في الاقتصاد متواضعة، ولقد ركزت أحاديثي في روحانية الاقتصاد، أي الاقتصاد الذي يعطي وعنده نسبة معينة لدعم التنمية ومساعدة ذوي الحاجة. وعندما أهداني الدكتور عبد الماجد عبد القادر، كتابه الموسوم ثالثة الأثافي، (تبصير العارف بأمر المصارف)، جلست بسرعة إلى قراءة الكتاب، فإنني أحب جداً صديقي عبد الماجد، وأشعر بأنه عندما يكتب إنما يكتب من واقع فهمه لعلم الاقتصاد، وأيضاً علم السياسة، وقلم عبد الماجد قلم محترم جداً، وعميق جداً وانتهز الفرصة لكَُتاب الأعمدة في كل جرائدنا اليومية، فهم يبذلون الجهد والجهيد في خدمة المواطن السوداني الذي هو القارئ الذكي الذي يحب أن يقرأ، ولأجله كلنا نكتب. وموضوع الكتاب بالتحديد وهو مقالات عن الاقتصاد في بابه الجميل المقروء ثالثة الأثافي عن المصارف السودانية، وبالذات عن تجربة المصارف الإسلامية، أو أسلمة البنوك، وتندهش أيها القارئ العزيز عندما تعلم أن الخبير المخضرم لأسلمه البنوك، هو المدير السابق أو الأسبق لبنك الخرطوم القبطي السوداني فيكتور حكيم، ولقد حصل على معرفة كبيرة وكثيرة في أسلمة البنوك، بعد أن أرسله بنك الخرطوم ليحضر في هذا دورة دراسية، وجاء إلينا خبير فاهم، وكان مدير عام بنك الخرطوم يستدعيه لحل بعض المعضلات في أسلمة البنوك، ويظل هذا دليلاً واقعياً على التعايش بين المسلمين والمسيحيين، وعلى الأخص أقباط السودان الذين في كل يوم يقدمون الدليل والدليل على محبتهم للسودان، والسعي الحثيث لكي يكون سوداننا دوماً فوق، علماً بين الأمم، في حرص شديد على تمكسهم بمسيحيتهم ومحبتهم للمواطن السوداني. ويقدم دكتور عبد الماجد كتابه قائلاً: إن أمر أسلمة المصارف بدأ بمفأجاة النميري في الثمانينيات والذي بدأ شيوعياً ثم أنقلب جبهة إسلامية، وبهذا صارت البنوك البعض منها بدأ إسلامياً، والبعض الآخر تأسلم بالقرار الاقتصادي، وجاءت المرابحة ثمرة النوع الأخير من البنوك. الاقتصاد الإسلامي: إنني احترم الإسلام احتراماً كبيراً، وأعتقد أنه لا ينبغي أن يزج به في كل ميدان، إن الإسلام كدين توحيد قوي يقدم الحلول لكل مشاكل الناس، ولكن لا يمكن أن نقسم الاقتصاد إلى إسلامي وغير إسلامي، على الأخص وأن الدول المتقدمة اقتصادياً هي دول ليست إسلامية، ولا مسيحية، وهي اليابان والصين وكوريا وغيرهم، وليس هناك حل لمشاكل الاقتصاد سوى علم الإقتصاد، ولا أكون مبالغاً عندما أقول إن دولة إسرائيل هي الدولة التي لديها أساطين الإقتصاد، بدءاً بيوسف الصديق ابن يعقوب الذي أدار اقتصاد مصر، مروراً باليهود الذين عاشوا في مصر والسودان وبلاد الشام، وكانوا أساطين وأساطير في علم الاقتصاد. ومؤلف كتاب (تبصير العارف بأمر المصارف) يقول إن كتابه يعبر عن رأيه الخاص الذي قد يكون مخطئاً وقد يكون مصيباً، وكما يقولون إن الرجل إن أصاب يسمي مصيباً، والمرأة إن أصابت تسمي مصيبة، ويقصد المؤلف إلى إصلاح ما يمكن إصلاحه، وهو مؤلف مؤدب ومهذب يريد أن يقول إن البنوك الإسلامية لا تخل من رائحة الربا، والطريف أن المسيحية يقول علماء اللاهوت فيها إن هناك قرض إنتاجٍ وقرض إستهلاك، وأن قرض الإنتاج لابد أن يحقق ربحاً لصاحب رأس المال، أما قرض الإستهلاك فينبغي أن يظل قرضاً حسناً غير قابل للزيادة، لأنه يحل مشكلة تعسر داخل أسرة أو عند أحد الأفراد. والمؤلف يرغب أن تقوم البنوك بخدمة التنمية وتشجع الأعمال التنموية، وتعطى للتنمية قروضاً بنفس طويل، وأذكر أن البروفيسور (جنيف) المستشار الزراعي أنه كان يطالب بأن يكون هناك كيان أو ميكانزم يقدم قروضاً للمشاريع الزراعية بطريقة طويلة الأنفاس قليلة الأرباح، لأن الزراعة هي الاستثمار الحقيقي، ولأنها تحتاج إلى صبر أيوب، ومال قارون وعمر متوشالح أكبر معمر في العالم والذي عاش 965سنة بالكمال والتمام. ولكن بنكاً ما حتى البنك الزراعي، لم يوجد مثل هذا الكيان الإستثماري الزراعي، بل إنه وغيره من البنوك قدموا الأموال وطالبوا الاسترداد السريع، ولم يتمكن المزارع من تحقيق مطالب البنك، وكانت النتيجة قضاء أعوام في وكالات النيابة الخاصة بالبنوك أو في السجون العامة، وكأن البنوك تكافئ من يتطاول ويستثمر زراعياً بالسجن وربما مدى الحياة. ومؤلف ثالثة الأثافي مزارع ورجل اقتصاد بحسب دراساته، وعمل في بنوك إسلامية، وهو يقدم خبرته في هذا الكتاب لكل رجال الاقتصاد، وعندما يقرأ طالب الاقتصاد كتابه سوف يدخل الاقتصاد إلى قلبه على طريقة عبد الماجد، والذي يحكي طرايف وظرائف وحكايات أجمل من حكايات الحبوبات وهذا الكتاب ضروري جداً لعلماء الإقتصاد لكي يدركوا ثالثة الأثافي في علم الاقتصاد، وأعتقد أن من يقرأ هذا الكتاب سواء كان زراعياً أو اقتصادياً أو مواطناً يستفيد الكثير، وسوف ينبصر العارف بأمر المصارف، ويتبصر المزارع بأمر الزراعة والزراع، ويتبصر الاقتصادي بأمر الدور الاقتصادي، ويتعرف على أمراض الاقتصاد في أزمنة التسيب والفساد.