٭ تتواتر الأنباء في صحف الخرطوم عن وصول معظم رموز المعارضة السودانية إلى أديس أبابا، حيث تجرى المفاوضات بين وفود حكومية وأخرى تمثل الحركة الشعبية/ شمال من جهة وبعض أهم حركات دارفور المسلحة من جهة أخرى في مسارين متزامنين.. وتضغط الحركة الشعبية والحركات الدارفورية من أن يتسع التفاوض ليشمل كل قضايا الحكم في السودان، بالرغم من الاهتمام بالقضايا المحلية ذات الخصوصية التي يجرى التفاوض حولها في المسارين تحت رعاية الوسيط الأفريقي ثابو مبيكي ولجنته.. وعين أمبيكي مصوبة في الوقت ذاته باتجاه «الحوار الوطني الشامل» الذي ابتدره الرئيس البشير منذ مطلع العام الذي كاد أن ينصرم، دون أن نرى أي اختراق كبير.. وزار أمبيكي لهذا الغرض الخرطوم أكثر من مرة ووجد ترحيباً بدوره من الرئيس والحزب ا لحاكم، أو كما قال. ٭ توافد على أديس أبابا، وبشكل لافت زعماء ورموز وفعاليات حزبية من كل ألوان الطيف السياسي المعارض، بشقيه السياسي والمسلح.. بينهم فاروق أبو عيسى رئيس تحالف قوى الاجماع وإبراهيم الشيخ رئيس حزب المؤتمر السوداني ويوسف محمد زين رئيس الحزب الوطني الاتحادي ومحمد مختار الخطيب سكرتير الحزب الشيوعي، وعبد العزيز خالد رئيس التحالف «السابق» ومريم الصادق المهدي التي لحق بها والدها رئيس حزب الأمة الصادق المهدي، والتوم هجو القيادي بالاتحادي الأصل الملتحق ب«الجبهة الثورية» وبشير آدم رحمة على رأس وفد من المؤتمر الشعبي، وينتظر- بحسب أنباء الصحف أن ينضم إليهم لاحقاً وفد من آلية الحوار (7+7).. هذا على مستوى المعارضة المدنية أما من جانب المعارضة المسلحة فهناك ياسر عرمان وعبد العزيز الحلو وآخرين ومني أركو مناوي، بالإضافة إلى جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة وحتى عبد الواحد محمد نور رئيس حركة تحرير السودان. ٭ الهدف الرئيس الذي رشح عن هذا التواجد الكثيف للمعارضين بحركاتهم المختلفة والمشتتة من حيث الأجندة والتصورات هو البحث عن إمكانية الوصول إلى رؤى موحدة ومتطابقة وملزمة لجميع أطياف المعارضة من أجل التفاوض مع الحكومة، ولذلك انخرطت في مشاورات متصلة بهدف الوصول إلى «برنامج حدٍ أدنى» ملزم لجميع قوى المعارضة يكون أساساً لأي تفاوض مع الحكومة سواء في «المؤتمر التحضيري» المقترح عقده تحت رعاية الاتحاد الأفريقي بمقره في أديس أبابا أو في مؤتمر «الحوار الوطني الشامل» الذي ابتدره الرئيس البشير والمنتظر عقده في الخرطوم، كمؤتمر دستوري يعالج سؤال «الميس»: كيف يُحكم السودان؟ ٭ بدا واضحاً الآن أن الحكومة منزعجة لهذا التجمع المعارض الكبير، حتى قبل أن تستيقن ما إذا كانت محاولة الاجتماع على كلمة سواء وبرنامج موحد بين فرق المعارضة- سلمية ومسلحة- سينتهي إلى نجاح أم تعود «حليمة المعارضة» إلى قديمها، ويفتك بها مجدداً داء الفُرقة والشتات الذي كان بعض مطعن الحكومة على المعارضة ومصدراً لسخريتها وتندرها على اهلها الذين لا يجتمعون إلا ليفترقوا. ٭ بنظرة أعمق وأكثر شمولاً لمآلات الصراع الذي استطال ويهدد مستقبل الوطن وما تبقى من السودان «الدولة» على قيد الحياة.. فإن وحدة المعارضة بشقيها- المدني والمسلح- سيصب في مصلحة الحوار والمصالحة الوطنية.. فالفصائل المسلحة عندما تقبل مبدأ الحوار مع النظام القائم، استجابة لدعوة الأحزاب المدنية.. فهذا يعني- بداهة- ابداء الرغبة في هجر الكفاح المسلح والاتجاه نحو التفاهم، حتى لو تمسكت في بداية الحوار بسلاحها لضمان تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، وأول مكسب في هذا هو وقف الحرب وتوفير الدماء المراقة والموارد المهدرة دونما عائد يذكر لأهل المصلحة الخاصة أو عموم الوطن. ٭ والبعد الآخر لهذه النظرة الأعمق والأشمل أن الحوار أو التفاوض سيكون أسهل.. يختصر الوقت والجهد على المتحاورين و المتفاوضين لأنهم في هذه الحالة سيتناقشون حول مشروعين أو ورقتين تحمل مطالب وتصورات الفريقين.. ليصبح الأخذ والرد أو التنازلات المتبادلة واضحة المعالم.. وهذا أدعى لنجاح الحوار أو التفاوض والوصول إلى اتفاق.. ٭ على الحكومة، إذن، أن تدفع باتجاه وحدة المعارضة لا فرقتها وتمزقها.. لأن ذلك سيطيل أمد المعاناة وقمين بافشال الحوار الذي تسعى إليه.