الكفَّاي بينَّا في الحلقة الأولى أن التسمية تمثلاً بانشقاق المانية بعد الحرب العالمية الثانية 1945م الى قسمين، وبالتالي انقسمت عاصمتها ايضاً الى قسمين برلين الغربية عاصمة القسم الذي احتلته الدول الغربية، وبرلين الشرقية عاصمة للقسم الذي احتله الاتحاد السوفيتي.. وقام بينهما حائط عازل سمي حائط برلين وانني طبقت هذه التسمية على مدرستَّي كبوشية الوسطتين.. فكبوشية الوسطى للبنات أسميتها برلين الغربية وكنت مديرها وبرلين الشرقية لمدرسة الأولاد الوسطى، وأطلقت على ميدان الكرة الواقع بينهما حائط برلين وقضيت فترتي بها... ويمضي الزمان وأنا أحمل لتلك الفترة أجمل الذكريات، ولم أكن ادري أن غيري له سبحات وشطحات، وأن تلك الفترة أدت الى انتاج ادبي رائع فقد غاب عني أن الطلبة والطالبات ينحدرون من نفس المناطق. جاءتني اتصالات كريمة من الابن عوض محمد بله شطيبي، والابن عبد السلام عبد الكريم تحمل دعوة كريمة ما كنت أحلم بها للمشاركة في يوم لقاء خريجي مدرسة كبوشية الوسطى برلين الشرقية والله سعدت كثيرًا وشددت الرحال، وأنا (استنهض البيد) حتى وصلت الى مزرعة عامرة، وجدت فيها من الاستقبال ما يحظى به النجوم من قومي.. كما أشاهد في الأجهزة الاعلامية جزاهم الله عني خير الجزاء. ما دار في ذلك اليوم كان مبهجاً ومطمئناً على شبابنا الذين دخلتنا عليهم خوفة من بعض التصرفات التي رغم إنها محدودة فهي مثيرة للقلق... وتلقيت بعدها بفترة دعوة من طالبات مدرستي كبوشية الوسطى للبنات برلين الغربية لحضور ملتقاهن أسفي أن ظروفاً قاهرة حالت دون اسعادي بذلك اللقاء، ويأتيني الشاب المبدع الناشط في مجال الاجتماع عوض محمد بله شطيبي، وهو احد طلبة مدرسة كبوشية الوسطى (برلين الشرقية) بديوانه (الكفَّاي)وهو مجموعة أشعار قومية - دوباي- غزل- وصف- رثاء مدح- وأغنيات سيرة- وعلى نهج الحقيبة والجابودي... والشاعر من مواليد 1955 درس الدراسة الصغرى في «طيبة الخواض» والدراسة الأولية والوسطى بمدرستي «كبوشية» والتحق بثانوية شندي، وحصل على بكلاريوس تجارة قسم الاجتماع بجامعة النيلين، ثم عمل بحسابات هيئة الموانيء البحرية سابقاً، فشركة تجارية خاصة، وانتهى الى الأعمال الحرة، وهو رئيس جمعية خريجي كبوشية الوسطى، وباحث ومؤلف في الأدب الشعبي، والأمين الثقافي لرابطة طيبة الخواض والديوان من القطع المتوسط، بغلاف جذاب، وورق مصقول، بلغت صفحاته مائتين وخمسين صفحة، والحقه بورقة عنوانها (ورقة برلين كبوش).. يعني مدرسة كبوشية الوسطى للأولاد التي نطلق عليها برلين الشرقية ويضع الابن عوض مصطلحات خاصة.. فهو يرمز لها ب(برليش) ولمدرسة البنات ب(برليغ) أي برلين الغربية، ويعرض تاريخاً موجزًا للمدرستين الأولاد أنشئت 1962 والبنات التي تم اكتمالها 1964... قرأت الورقة عدة مرات، وعشت في جوها، وفي اشاراتها وفي ايحاءاتها ولمساتها ومجادعاتها الشعرية.. واكتشفت انني كنت في غفلة وأن من بين اولئك الطلبة من كانوا على نار ساخنة يقول الطالب عوض بله. العطلة انتهت والناس عموم في رجاها.. وطلع القمر برلين غرب فجَّاها والخبر الطلع برلين شرق زجَّاها.. قالن عرسوها وتاني ما جاياها.. واكتشفت ايضاً أن هناك مجادعات شعرية غاية في الروعة يشترك فيها مع عوض الطالب يحيي عبد الجليل ومن أشعاره انتِ صفاك صفا الكَسَرْ مُدْليِّ- ولونك دهب بيرم عزيز متجلي.. جمالك فطري أصلي وحاشا ما بتتجليِّ- رشرش عينك الخلى العشوق متقلي.. والطالب كمال المرضي الذي قال:-.. انت صفاك صفا الصافي- النحر سرسارو لينك- زي خدارًا شبَّ فوق ترتارو- رب القُدْرة في حُسنك وضع أسرارو- سوَّى جمالك الحرق الشباب بى نارو.... وتعجبني في الورقة تخريجات مثل: وقلت في برليغة أخرى يعني قصيدة خاصة باحدى طالبات برلين غرب وأيضاً: يا الحلوة يا البختوك للمسيخ تطعميه- و(يا شتلة جروف طيبة) الرويتي وشايله.. وقوّلة الشاعر كمال المرضي :برلين أحلى ولَّا الذوقوهن هسع؟.. ليرد عوض بله قائلاً: برلين أحلى لكن الزمان ما بسمع... وفي حديث الذكريات يدخل معهم زميلهم معاوية عوض عبد الرحمن من« كلي» من غربته و يقول عن الداخلية - سكن الطلبة بالمدرسة- زمن الفاصوليا يا حليلو وحليل الطاسة- الطباخ مع الجرسون بعرفو مقاسا- حليل برلين شرق في راسنا ثابت ساسا- وحليل برلين غرب شبنا ونَحِنْ لى ناسا.. فتهيج الذكريات بعوض بله فيشارك: يا حليل المكوة والطشت البجن (بالطسطة)- وطابورالصباح فيهو يقرو رزم البسطة- يا خريج كبوش صدقني مهما حصدت-ما لقيت زي حلاوة برلين كبوش الوسطى.. والصورة لما يحدث في الداخلية يوم الخميس يوم غسل الملابس يقومون (بالطُسة) اي (القرعة) لأولوية من يستعمل الطست أو المكواة ويشكو عوض من منافسة المغتربين فيقول:- يا برلين شبابك في الصلات حببنا- إلا زمناً جاب البعاد وحجزنا- ظهروا مفرفشين بالصاج وتقل الوزنة- زي دهب الخليج مختوم وداخل خزنة ويعني بالصاج «المال» والله الورقة المأخوذة عن الديوان أسعدتني كثيرًا.. شكرًا عوض بله.. شكرًا شباب كبوشية.