مرت هيئة الإمدادات الطبية بمنعطفات من قبل كادت تعصف بها في أتون الخصخصة لكن طبيعتها والتي تتمثل في توفير الأدوية ذات الربحية الضعيفة وقانون تأسيسها واهتمام بعض الحادبين على المصلحة العامة هي ما تدافع عنها، ففي مثل هكذا ظروف عاشت الإمدادات بين المد والجذر.. بين دعوات المنادين للخصخصة بدواعي التطور وخروج الدولة من سوق الدواء، والمطالبين بإبقائها كهيئة حكومية توفر الأدوية المنقذة للحياة وأدوية العلاج المجاني والأدوية ضعيفة الربحية والأمصال للمستشفيات الحكومية والمراكز الصحية في بلد معظم سكانه فقراء لا يستطيعون توفير جرعات الأنسلين وأدوية الكلى والسرطان. في ثلاثينيات القرن الماضي برزت حاجة الجيش الإنجليزي إلى ماعون دوائي أرحب يستوعب جميع احتياجات البلاد من الأدوية والمعدات والمستلزمات الطبية، فجاءت فكرة أن تبنى مخازن بمواصفات توائم طبيعة الدواء من حيث السعة والحفظ، فأنشئت كمخازن تتبع لوزارة الصحة باسم «الإمدادات الطبية» في مبناها الحالي، تعاقب على إدارتها أساطين من المختصين في المجال الطبي والصيدلاني فتداورت الإدارة بين الأطباء والصيادلة إلى أن جاء العام 1991م في عهد مديرها الأسبق الدكتور بابكر عبدالسلام الحاج والتي قفزت فيه الإمدادات من مخازن تابعة لوزارة الصحة الاتحادية، إلى هيئة مستقلة لها خاتمها العام وأمر تأسيس مجاز من قبل الهيئة التشريعية وموقع عليه السيد/ رئيس الجمهورية، كان ذلك الأمر بمثابة «فرملة اليد» والذي تحفظها من التدحرج والانزلاق وتغول الطامعين دون أن يلغي بتوصية من نفس البرلمان عبر لجانه التي أنشئت، أمر التأسيس الأول وبتوقيع ممهور بخط السيد رئيس الجمهورية. فالقاعدة القانونية الذهبية تقول إن أي مؤسسة أنشئت بقرار وبأمر تأسيس لا يمكن أن تلغى أو تحول لأي مسمى أو جسم جديد إلا بأمر تأسيس يلغي أمر التأسيس الأول.. وبأمر تأسيس جديد. وجاء من بعد بابكر في إدارة الهيئة الراحل الدكتور/ محمد مندور المهدي الذي شهدت الهيئة في عهده تطوراً هائلاً في البنية التحتية وتوسعت في المخازن من حيث السعة والمعايرة العالمية في حفظ الدواء، حيث أنشأ مشروعات الدواء الدوار والتي طافت عبره شاحنات ومبردات الدواء كل أرجاء السودان. كانت المفاجأة الكبرى في خواتيم أعمال البرلمان تقديم قانون الإمدادات في طريقه إلى اللجنة القانونية في مرحلة النقاش بغرض الإجازة من بنات أفكار السيد الدكتور جمال خلف الله المدير العام للهيئة الحالي، يطلب فيه أن يجاز له قانون بموجبه تتحول الهيئة إلى صندوق دوائي بدلاً من وضعها الحالي، يسمح له فيها بمجموعة من المطلوبات والاستثناءات ويخول له صلاحيات أكثر بأن تستثنى الهيئة من القيود بحسب وصف خلف الله والتي جمعها في «الإجراءات المالية»، خصوصاً في الشراء .. والمراجع الداخلي والعام.. والمستشار القانوني .. والفصل والتعيين.. الخ .. حتى يستطيع أن يسمو بها إلى أعلى المراتب!... ويرى مراقبون أن هذا الكلام فيه تجاوز لأجهزة الدولة وإلغاء لأدوار أجهزة مثل وزارة المالية وديوان المراجع ووزارة العدل وديوان شؤون الخدمة ويساهم في تشريد العاملين مما يفتح الباب على مصرعيه للفساد.. وعضد ذلك الدكتور بابكر عبدالسلام الحاج المدير الأسبق للإمدادات الطبية في تصريحات صحفية نقلت الأحد.. في أن هذا القانون هو عبارة عن خصخصة «باللفة» يستهدف تفكيك الإمدادات وتدميرها. وصرح مصدر نقابي « بالهيئة» فضّل عدم ذكر اسمه بأن مشروع القانون الجديد الذي أودع منضدة البرلمان هو طعنة من الخلف دبرت بليل، وهو أشبه بدفن الليل «أب كراعاً برا» حسب وصف المصدر، وأشار المصدر إلى أن القانون الذي يسعى إلى تفكيك وتدمير الإمدادات سيجد الرفض من كل العاملين، وحذر من عدم التلاعب والمساس بتشريد العاملين والحفاظ على الهيئة والتي هي صمام أمان في مجال الأدوية والمعدات الطبية خصوصاً الأمصال والأدوية المنقذة للحياة وأدوية العلاج المجاني، وقال نحن نرفض هذا القانون جملة وتفصيلاً. ويبقى السؤال: لمصلحة مَن يجاز مثل هذا القانون؟.. وهل لمثل هذا القانون الخطير أن يطرح في خواتيم عمر البرلمان الذي تعامل بهدوء وأرجأ الأمر إلى الدورة الجديدة بحسب رئيس لجنة الصحة عبد العزيز إتنين.. الذي نوه إلى مسألة مهمة وهي وجود صراعات مصالح وراء القانون.