رواية الشمندورة التي تحولت عام 1968م إلى مسلسل إذاعي في مصر نعتبرها أروع رواية وثقت حياة القرية النوبية في القرن العشرين ! في حلقات طويلة فصلنا فصولها وهيٍ تحكي قصة المآسي التي وقعت في قرية نوبية فقيرة وادعة في النوبة المصرية عندما هبط عليها طوفان بسبب قفل خزان أسوان بعد تعلية جديدة عام 1933م.والشمندورة كانت على شكل برميل أحمر يوضع كعلامة في النيل لقياس الأعماق والمناسيب، يظل يقاوم الأمواج كل عمره اتخذه المؤلف رمزاً للوجدان النوبي الممزق بين السودان ومصر! *** اختيار رواية الشمندورة والاحتفاء بها كان المقصود منه استخلاص دروس وعبر قد تنفع الأجيال القادمة. ومن هذه الدروس: 1 إنها أروع رواية تعيد الثقة بالنفس وتعالج أمراض احتقار الذات وهي بالفعل متفشية لدرجة الأزمة!! 2 الرواية تعكس مدى فداحة الخسائر عندما ترسم هذه الصورة الزاهية للسلام الاجتماعي. ولكنها لا تتوقف عند الخسائر، بل تتجاوز الآلام بالقول بأن الحياة لا تتوقف عند الخسائر أو الأرباح مهما كانت. 3 في الرواية إمكانية إعادة البناء باستغلال نتائج التطور الحضاري الإنساني كمحاولات «وابور» في إعادة زراعة الصحراء. 4 ضرورة الاعتماد على التعلم والتعليم لكي لا تضيع الحقوق كما حدث في كل عمليات التهجير السابقة. 5 أخطر الدروس المستفادة على الإطلاق كانت في عملية الاهتمام بالتوثيق. بفضل التوثيق أصبحت قرية «قتة» وما جاورها من المجتمعات النوبية في وعي التاريخ حتى يرث الله الأرض ومن عليها!! *** بهذه المناسبة، ونحن نختم قراءة الرواية نعيد تأكيد أمر ذكرناه في إصدارة «حلفا الجديدة ..الخطيئة والقربان» بناء أي مجتمع من جديد لا يبدأ إلا برسم صورة حية واضحة في وعي الأجيال، ولا تتم هذه العملية إلا بتحريك الأشواق بالتذكر واستثارة الحنين، ونقل الوقائع التي تحمل النبضات الحية للتراث! *** هذا هو المستوى الثقافي للتخطيط ، ومن يقومون به هم المبشرون. ثم يأتي بعد ذلك دور المؤسسين وهم قادة من ممولين ومخططين، ليأتي أخيرًا دور المنفذين، وهؤلاء هم سكان القرى الجديدة. نحن الآن في مرحلة المبشرين وأقصى ما نستطيع تقديمه هو أن نجعل الجذوة متقدة في وعي الأجيال النوبية في مصر والسودان. في سبيل تنفيذ هذه القاعدة يمكن تقرير عدة افتراضات تصلح كمنطلقات وهي: البدء بفرز الكيمان بين الوطن الجديد والقديم (بين قرى العودة في مصر وبين قرى كومبو. بين حلفا القربة وبين حلفا الجديدة).. ومن هنا نطلق نداءنا لمن يهمهم الأمر بأن حلفا الصامدة يجب أن تكون محل احتفاء النوبيين عندما تبلغ سن الخمسين في نهاية هذا العام. أما كيفية الاحتفال باليوبيل الذهبي لحلفا الصامدة، أقل ما يمكن تقديمه من عمل هو أنتاج فيلم يحكي قصة الصمود من خلال تناول قصة حياة أحد «أبطال البقاء» الذين قادوا عملية المقاومة والصمود، ورغم أنهم كثر، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: 1- محمد داؤود عمدة دغيم.