في مجلس بمنزل القيادي الإسلامي الشيخ / الصافي نور الدين جاءت عرضاً سيرة الوزير بحر إدريس أبو قردة- حركة التحرير والعدالة- ومعلوم أن الرجل من تلامذة الصافي، حيث عمل معه بمركز الدراسات الاستراتيجية، قبل أن يفارق الإسلاميين ويكفر ببرنامجهم، وهاهو يكفر ببرنامج حركة التحرير والعدالة الموقعة على أهم وثيقة-الدوحة- التي تم تضمينها في الدستور وتحظى بضمانة لا مثيل لها ممثلة في دولة قطر التي تولي الشأن الدارفوري أهمية خاصة، وتتابع عن كثب مايجري في الاقليم صاحب الولايات الخمس. رغم حالة الهدوء النسبي التي تبدو داخل الحركة، لكن قطعاً فهي قابلة للإنفجار في اية لحظة جراء محاولات أبو قردة التصعيد مما يؤثر سلباً على مسار ومستقبل الإتفاقية وحالة الإرتباك التي يعيشها بحر بدأت من مطالبته التي وصفت بغير المقبولة بمنحه40%من الترتيبات الأمنية، وكان القيادي البارز بالحركة الوزير فضل احمد فضل وصف الرجل بأنه يجيد القفز بالزانة ولا يؤمن بالتراتيبية في العمل. ولعل افضل استدلال بحالة عدم الإستقرار السياسي التي عاشها بحر خلال مسيرته، عندما كان من الإسلاميين الذين شاركوا في عمليات الجهاد، وكان نائباً لأمير إحدى الكتائب التي كان يقودها البرلماني الهادي محمد علي، ثم سبح بحر في إتجاه شواطيء حركة العدل والمساواة واختلف مع خليل، وتكرر ذات الأمر مع الجبهة الثورية.. وأخيراً وربما ليس آخراً محاولاته المستميتة في الإنقلاب على رئيس الحركة د. التجاني سيسي الذي يمثل الضامن الحقيقي لوثيقة الدوحة من خلال خبرته السياسية وقيادته للحركة، حتى وصلت الى مرتبة التواثق على السلام... وهنا ظلت الإتهامات تلاحق بحر بأنه يقود صراعه ضد الحركة ورئيسها من منظور قبلي في مقابل عدم انتهاج سيسي ذلك النهج، وهذا ما أقره ابو قردة نفسه، فالذين يلتفون حول سيسي يمثلون كل مكونات المجتمع الدارفوري. ووضح إنحياز قيادات الحركة لسيسي في أعقاب الأزمة الأخيرة وبشكل بائن، مما أضعف الموقف السياسي لبحر، الذي كان قد راهن في وقت سابق على المقاتلين لكن حادثة نيالا كشفت الحقائق عندما أجبره عدد من قوات الحركة على عدم عقد مؤتمر صحفي بجنوب دارفور.. خاصة وأن الحديث الدائر في نيالا البحير يشير الى عدم وجود قوة مقاتلة ضمن القوات التي نفذت الترتيبات الأمنية تنتمي لفصيل ابو قردة، وقد استوعب معسكر دومايا أربعة آلاف مقاتل، فيما عجز في ولاية غرب دارفور من تجميع قوات أشار الى أنها تدين بالولاء، وجاء فقط ببضع وعشرين مقاتلاً يدينون له بالولاء أبرزهم قائد فصيله عبد الله بنده. رهان بحر أبو قردة في صراعه مع التجاني سيسي ارتكز على الأوضاع داخل السلطة الإقليمية، ويتضح أن الحكومة فطنت لمحاولات الرجل كسر عضم وثيقة الدوحة، سيما وأن البون شاسع بين وثيقة الدوحة وحركة التحرير وهي المساحة التي لم يرها ابو قرده ولم يقسها جيداً، فأعلنت الحكومة رضاها التام عن السلطة وسجلت رسمياً صوت ثناء لها على لسان وزير الدولة بالمالية عبد الرحمن ضرار. فمضى بحر نحو التشكيك في صندوق دارفور للإعمار، رغم أنه لم يقدم دليلاً عما ماساقها من إتهامات. ولأن إطلاق الإتهامات في الهواء الطلق ليست ذات جدوى تدخلت قطر في الأزمة وقد اضطر أبوقرده نفسه للإشارة للوساطة القطرية في مؤتمر صحفي حشد له عضوية مقدرة، وساق اتهامات شخصية لسيسي بالقول إن له تاريخ، بينما هو يملك الخبرة. ويقول خصومه أنه يجيد إطلاق الإتهامات، وهذا قد يكون نتاج التسرع الذي ظل ملازماً له في عمله ووسائل تقديره للمشهد بشكل عام، ويبدو متسرعاً في بعض الأحيان وكان أبرزها ذهابه الى المحكمة الجنائية، وهو أمر يتناقض مع علم الإستراتيجيات، كما يتبين ذلك من خلال إدارته لوزارة الصحة حتى أنه لا يشاهد في كثير من البرامج الخاصة بالقطاع الصحي. والذي به الكثير من الملفات الشائكة التي تحيط بالصحة، فضلاً عن لعبة دور المتفرج في عدد من المسائل التي تتقاطع فيها أدوار الصحة الإتحادية مع ولاية الخرطوم. ومهما يكن من أمر فإن أبوقردة ومن خلال الخط الذي يقوده فإن إتفاقية الدوحة ستكون كمن يحاول التنفس تحت الماء، حال لم يتدارك الأطراف (الحكومة وقطر) الخطر الذي يحدق بسلام دارفور.