من المفارقات أن ولاية الخرطوم تعد العاصمة الخامسة عالمياً من حيث الإنفاق على نظافة شوارعها وساحاتها وتأتى فى ذات الوقت فى المرتبة الرابعة لأوسخ العواصم العالمية والمنطقى أن الإنفاق الكبير يكون فى مقابله نفايات قليلة ولكن فى السودان الكثير من المعادلات الطبيعية تدور فى الإتجاه المعاكس . ولاية الخرطوم أنفقت على مشروع نظافتها أكثر من مائة مليون دولار خلال الأعوام السابقة منها 20 مليون لهذا العام فقط وفرت منها حاجتها من كل المتحركات والأليات ولكن لا أثر ولا نتيجة فإذا كانت المنازل تشرع أبوابها لتضع نفاياتها فى الشوارع ويعقب ذلك أناس بعينهم يبعثرون هذه النفايات فى الهواء الطلق ليأخذوا منها مايقتاتون به أو ما يبيعونه من زجاجات فارغة وعلب مشروبات او حتى الإستفادة من الأكياس التى توضع فيها القمامة لأغراض أخرى . محلات اعداد المأكولات والمشروبات لا تتحرج من رمى فضلاتها على شارع الإسفلت والطرقات ومحلات تغيير زيوت السيارات تفتح المجال للمرتجع لينسكب على الشارع العام . عربات الكارو وفى أحياء تسمى راقية يطلق العنان للحمير التى تجرها أن تفعل مايريحها فراعيها يقودها الى أقرب عمود إضاءة ويتركها لساعات طوال فتلوث مساحات واسعة بفعلتها . لفت نظرى مرافقى فى احدى المدن الأوروبية لعربة يجرها حصانان صممت ليلقى الحيوان الذى يجرها فضلاته دون ان تصل الى الأرض بالواضح بامبرز معدنى للحفاظ على النظافة وصيانة البيئة فى العاصمة الخرطوم تدفع الكثير من الأسر مياه تنظيف حيشانها الى الشارع الرئيسي المسفلت فتفعل مياه الصابون فعلتها بالأسفلت فتحوله حفراً تتسع أقطارها حتى تطرد الأسفلت من الشارع العام ومياه أخرى تدلق مليئة ببقايا الطعام من قشر البصل والبطاطس والبامية والملوخية وحتى حثالات الشاى والبن . لا أحياء راقية فى الخرطوم فالأحياء ذات البنايات البديعة تحت اعمدتها عشش من الخيش والكرتون والصفيح وتحت اجمل البنايات تجد فى ركن من أركانها فضلات أدمية لمن ترك لهم الحرية فى أن يشيدوا هذه العشش على الطرقات وأملاك الأخرين دون ادنى المقومات للسكن الإنسانى ألا وهو أماكن قضاء الحاجة . ومن المفارقات أن الكثير من المحلات التجارية استحوزت على مساحات واسعة من الشوارع الرئيسية والتى أنفقت فيها الولاية مئات الملايين من الدولارات رصفاً وتجميلاً فتستولى عليها هذه المحلات وتضع عليها عشرات الأطنان من الأسمنت وحديد التسليح وآلاف الجوالات من الجبس والطوب والخرصانة والرمل وعندما تأتى السلطات المحلية لتنظيف شوارعها وفتحها للسير يحتج المستحوزون والمغتصبون وللأسف تساندهم بعض الأقلام الصحفية التى يجب عليها ان تنحاز لمصلحة الناس والمواطن من أن يسير على الشارع دون ان تعترضه هذه الأطنان من الحديد وملوثات البيئة من أسمنت وجبس وزيوت وغيرها من الملوثات . وفى العاصمة الخرطوم يقذف البعض من داخل سياراتهم ببقايا مأكولاتهم ومشروباتهم من علب الساندوتشات والمشروبات وقشر الموز على الطرقات ولا يطرق لهم طرف خجلاً ممن مثل هذه الأفعال الشائنة. لانريد عاصمة مثل مسقط كأنظف عاصمة عربية أو مثل كوبنهاجن كأنظف عاصمة أوروبية ولكن نريدها عاصمة يلتزم المقيمون فيها بالحد الأدنى لشروط السكن فى العواصم فى دول الإتحاد الأوروبى يخرج المقيمون فى مدنها نفاياتهم فى أيام محددة من الأسبوع وفى ثلاثة أنواع من الأكياس فإن أخطأت فى وضع بقايا مواد غذائية فى كيس الزجاجات البلاستيكية تفرض عليك غرامة عالية هل يستطيع الدكتور عبدالملك البرير أن يفرض غرامة على صاحب كارو ربط حماره فى أسوار نادى التنس بشارع المطار ؟