قوى برلين التي عادت الى البلاد بعد الورشة المشهودة وهي مختلفة فيما تم الوصول إليه، ولو كان الخلاف بين الرافضين للحوار بدون شروط مسبقة والذين انخرطوا فيه من غير تلك الشروط ثم عادوا ونفضوا يدهم عنه لأسباب لاعلاقة لها بالموضوع، لكان الأمر مفهوماً، ولكن الخلاف ضرب أروقة الفئة الأولى الرافضة، مما يشير الى أن أرض الألمان قد استضافت مشاورات غير ذلك، وفي ظني أن الحوار قد طال إيجاد تسوية شاملة للنزاع السوداني، وأن الموافقة عليها تعني تراجع المعارضة عملياً عن شعار إسقاط النظام الذي ظلت ترفعه، أقول في ظني رغم أن قيادات مهمة كانت قد أشارت الى أن المعارضة ضعيفة وأن شعار رسقاط النظام لا يتناسب مع قدراتها، والأفضل أن تنخرط المعارضة في تسوية للنزاع، وهي بالضرورة سوف تستصحب معها النظام بعد تقديم تنازلات في التصورات والمواقع تفسح المجال لاستقبال القادمين وفق استيعاب تصورات مغائرة لما كان سائداً، الخطوة التي رفضها مصطفى عثمان اسماعيل أحد أهم أركان النظام، واعتبرها خدعة تريد المعارضة جرجرة اقدام النظام إليها،، وأضاف أنهم لن يدخلوا في حوار قبل الانتخابات، المعارضة تريد من النظام أن يأتي الى الحوار كمجرد حزب سياسي، والنظام يرفض الخطوة لأنه يريد أن يأتي اليها من موقع الشرعية التي سوف تكسبها له الانتخابات، والتي تشير كل الدلائل الى أنه سيكون الفائز فيها بلا منافس بعد ان عافتها القوى السياسية الأساسية في المجتمع، والتي كان في مقدورها وفي ظل انتخابات في أجواء مختلفة أن تشكل منافساً له.. المعارضة تلعب نفس اللعبة التي لعبها الراحل قرنق بعد الانتفاضة، حينما رفض أن يلتقي الصادق المهدي كرئس للوزراء لأنه لا يعترف بالمعادلة السياسية التي جاءت به الى هذا الموقع، فهو يعتبر الانتفاضة نفسها مجرد مايو 2 ناهيك عن الأوضاع التي تمخضت عنها، وأن كان قرنق قد ابداء استعداده لمقابلة الصادق كرئس لحزب الأمة، فرفض الصادق أن يتنازل عن قميص سربلته به انتخابات رغم أنها جزئية لكن لم يطعن أحد في نزاهتها.. لا اعتقد أنه من الأهمية بمكان أن يجلس النظام الى المعارضة والوصول الى تسوية سياسية معها كنظام أو كحزب المؤتمر الوطني، فهو في النهاية متحكم بأدوات أخرى لن تغير الانتخابات من طبيعتها، ولكن المهم أن تقدم القوى السياسية المقتنعة بالتسوية العملية كمقاومة لا استسلام، وأن لا تجعلها تنحصر في التفاوض، ولكن أن تجعل لها زخماً شعبياً حتى تصبح خياراً جماهيرياً، إذا نجحت قوى التسوية في ذلك ستكون قد حدت من المزايدات التي يمكن أن تتعرض لها وتضمن في نفس الوقت أن لا تتحول العملية الى إعادة لإنتاج الأوضاع القائمة، وأن لا تلتحق بالسلطة كمردوفة .