في زيارات رئيس الجمهورية المشير عمر البشير إلى الولايات قبل قيام الانتخابات وفي لقاءاته الخاصة مع اللجان الشعبية الولائية لدعم ترشيحه، والتي حظيت بحضور ثلاثة منها، كان جل حديثه لمرحلة ما بعد الانتخابات، وكان وجه الشبه بين تصريحاته أن تغييرات قادمة وأن جديداً في الطريق، وإن شئنا الدقة مفاجآت في الطريق، وهو ما قاله الرئيس البشير يوم الخميس في جلسة مجلس الوزراء، وقد تعاملت الزميلة النابهة المسؤولة عن تغطية الدوائر السيادية أحلام الطيب بذكاء مع تصريحات البشير، وأبرزت حديث الرئيس الذي كشف عن «مفاجآت قادمة»، وهو كان «المينشيت» ل«آخر لحظة» أمس. حديث الرئيس عن مفاجآت قادمة يعني أن حالة طارئة قادمة إن لم تكن استثنائية، فالمفاجأة من البشير تعني بكل حال الدولة والحكم، لكن بالمقابل تمهيد الرئيس يفتح باب التكهنات حول معرفة ماهية المفاجآت القادمة. وهي سانحة لمعرفة تلك المفاجآت، خاصة وأن رئيس الجمهورية لم يتحدث عن مفاجأة واحدة بل عديدة. وبالنظر للمشهد السياسي من المتوقع أن تكون المفاجآت عشرة، وهي: الأولى: انتقال الرئيس لمربع القومية باستقالته من المؤتمر الوطني ليتمتع بتلك القومية التي كانت بائنة إبان ترشيحه، خاصة وأن المرحلة المقبلة تحدياتها التي تجابه الرئيس كبيرة وكثيرة، وهو في آخر دورة رئاسية له كما قال، وابتعاد سفينة البشير ليس بالأمر الجديد في المنطقة، فقد سبقه كثيرون منهم رئيس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي عندما استقال من منصب رئاسة حركة نداء تونس بحكم تعارض ذلك مع مسؤولياته الجديدة على رأس الدولة. وإن حدث ذلك ستصادف هوى لدى الكثيرين خاصة المؤتمر الشعبي الذي سيكون له دور كبير في المرحلة المقبلة. وقد يقول قائل إن استقالة البشير من الوطني ستضعف موقفه وسيكون محاصراً من الحزب الحاكم، لكن من أدوات قوة البشير أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة، فضلاً عن ذلك هو ابن المؤسسة العسكرية التي ستشكل له حماية. الثانية: تشكيل حكومة قومية وإن تم ذلك لن يكون ذلك هو المسمى، لأن تلك كانت رغبة المعارضة وستكون الحجة في ذلك توسيع قاعدة المشاركة، ويعد الاتحادي الأصل الأنسب لنيل حصة مقدرة جراء مساندته للوطني في الانتخابات. ويدخل في هذا السياق تقوية موقف مساعد رئيس الجمهورية عبد الرحمن الصادق الذي قد تتم ترقيته لمنصب النائب الأول مما يعني مشاركة حزب الأمة في الحكومة. ونجل المهدي سيكون له دور أكبر في الحكومة الجديدة حتى وإن بقي في منصبه الحالي مساعداً للرئيس. الثالثة:استمرار موجة التغيير وإبعاد أسماء معروفة، أسوة بخروج علي عثمان ونافع علي نافع وعوض الجاز. وهنا يبرز الوزير مصطفي عثمان وربما سامية احمد محمد. الرابعة: عودة وجوه قديمة إلى دائرة الأضواء مرة أخرى وهي ظلت قريبة جداً من الرئيس ومساندة له بشكل لافت مثل مدير الأمن السابق صلاح عبد الله «قوش»، د.عبد الحليم المتعافي، د.عبد الحميد كاشا والسفير حاج ماجد سوار، وهي عناصر فاعلة وأساسية في الإنقاذ. الخامسة: تولي الرئيس شخصياً للملف الاقتصادي أو إدارته من داخل القصر وبدأت ملامح ذلك بتولي نائب الرئيس حسبو محمد عبد الرحمن لرئاسة القطاع الاقتصادي بالوطني وهنا قد تتم الاستعانة بالمتعافي سيما وأنه في التشكيل الأخير تم طرحه وزيراً للمالية وبدر الدين محمود محافظاً للمركزي. التغيير في الملف الاقتصادي بات متوقعاً، خاصة وأن أكثر المطبات التي اعترضت طائرة الحكومة كانت اقتصادية. السادسة: زيادة مقاعد العسكريين في الحكومة، خاصة على مستوي الولاة ويرجح في ذلك أن تتولى نحو (3) شخصيات منصب الوالي في ولايات دارفور ال(5) لأهمية حسم التمرد. والقبضة العسكرية غير منكورة فوزير الدفاع ووزير الدولة بالوزارة ينتميان للمؤسسة العسكرية، وحتى وزير الداخلية كان رئيساً لهيئة اركان الجيش. السابعة: ترتيب البشير لأوراق الحوار الوطني بوضع سقف زمني للحوار والالتزام بمخرجاته، وإن كان ذلك خصماً على المؤتمر الوطني، وهو الأمر المتوقع، وعدم حدوث ذلك كان أحد أسباب خروج حزب الأمة وتراجع حركة الإصلاح الآن عن الحوار. الثامنة: أن يقدم البشير على الاستعانة بغاضبين ومغاضبين خرجوا من الحكومة أو كادوا أن يخرجوا أمثال غازي صلاح الدين وإخوانه في حركة الإصلاح الآن، القيادي صلاح والزعيم بالإدارة الأهلية موسى هلال. التاسعة: إدرة حوار مباشر مع الولاياتالمتحدة بوساطة من خادم الحرمين الشريفين أو أمير قطر، خاصة ومما يعزز من موقف البشير حال استقال من منصب رئيس المؤتمر الوطني، ويتطابق مع ذلك وضع تصور جديد لحسم التمرد سلماً أو حرباً وربما وفقاً بما تم في «عاصفة الحزم»، فمن المتوقع أن تقدم المملكة السعودية دعماً عسكرياً. العاشرة: وهي وإن حدثت ستكون فعلاً مفاجأة وهو تقليص الولايات أو المحليات لجهة أنها فتحت باب الجهوية وأنشأت حزب القبيلة، وما إعلان الرئيس بعدم اعترافه بقائمة الخمسة المرشحين لمنصب الوالي ببعيدة، حيث ألمح إلى تفشي القبيلية، وكان التدافع السياسي سبباً في ذلك. ومهما يكن من أمر فإن المرحلة المقبلة تتطلب إحداث مفاجأة بكل الأحول خاصة بعد أن وضح أن المؤتمر الوطني لم تكن تقديراته دقيقة بشأن الانتخابات، أو لنقول لم يستطع إنزال خطته الانتخابية لأرض الواقع.