٭ عفواً عزيزي القارئ سوف أشرح العنوان، المقصود هو طبعاً الاستاذة الشاعرة روضة الحاج كما يتبادر لذهن القارئ بحكم أنها خنساء السودان، والمقام مقام الشعراء ومقام رثاء، والشعراء هم لسان الوطن، وأيضا عنيت «بالروضة» السودان فإذا كانت «الروضة الشريفة» بمدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، «روضة من رياض الجنة» فإن السودان هو «روضة من رياض الدنيا» نرتع فيها ما نشاء إذا عشنا فيها وتأخذنا في أحلامنا إذا بعدنا عنها «نحن في السودان نهوي أوطاننا وإن رحلنا بعيد نطري خلانا». وطني إن شغلت بالخلد عنه *** نازعتي إليه في الخلد نفسي ٭ شكراً قناة التلفزيون القومي التي أعدت سهرة بمناسبة رحيل شاعر السودان والعروبة وأفريقيا محمد مفتاح رجب الفيتوري، تحدث فيها وزير الثقافة الإتحادي وهي المرة الأولى التي أشاهده فيها، ولقد تحدث وأوفى إضافة للأستاذ الصادق الرزيقي متحدثاً عن زيارة وفد الإتحاد العام للصحفيين السودانيين للفقيد مع أسرة السفارة له بالمغرب، والشكر الحقيقي لهم بهذه الزيارة التي ربما كان يحتاج إليها معظم مبدعي بلادي في المحن والابتلاء الذي يحل بهم، ولقد نقل لنا الأستاذ الصادق أجواء اللقاء، وسرى في خاطري بأن الفقيد قد وثق لهذا اللقاء قبل سنوات حيث قال «في حضرة من اهوى عبثت بي الأشواق حدقت بها وجه ورقصت بلا ساق» فالوفد مع رجال السفارة يمثل له الوطن في تلك الزيارة. ٭ لقد التقيت الشاعر الكبير الفيتوري في احدي زياراتي الكثيرة لليبيا خلال عبوري بالسيارة من بلجيكا عبر فرنسا حيث نعبر البحر الأبيض المتوسط من ميناء مارسيليا لميناء عنابةبالجزائر، ثم عبر الجزائر للدخول إلى ليبيا من مدينة غدامس مروراً حتى السلوم للدخول لمصر ثم السفر جنوباً لميناء حلفا، والذين عملوا في ليبيا يعرفون هذه الرحلات كما يعرفها ايضا الكابتن «بالعروسة» عبد الله الشيخ، وكانت شائعة خلال ثمانينات القرن الماضي، وقام بها عدد كبير من السودانيين. التقيته في منزل جارنا الكابتن بحري عباس كتر، وكل عربات البيجو والهنتر التي تجري في شوارع الخرطوم وتاكسي الخرطوم وصلت عن هذا الطريق. والذى ترك السودان شاباً يافعاً مهاجراً إلى ليبيا ليجمع مدخرات تمكنه من تحقيق طموحه بأن يصير كابن طيار، وفعلاً جمع ما يكفي وتوجه نحو هولندا ولكن لم يوفق في دراسة الطيران فعدل إلى البحرية حيث صار قبطاناً بالخطوط البحرية الليبية، إلا أنه استشهد في حادث حريق مأساوي للمركب قباله سواحل طرابلس، وقام بإنقاذ جميع البحارة معرضاً نفسه للخطر لإنقاذ الآخرين ومات متاثراً بهذه الحروق في بطولة سودانية نادرة. التقيت شاعرنا الكبير وكنت لا أعرف شكله وإنما أعرفه من خلال أشعاره واحفظ البعض منها، وعندما التقيته ظننت أنه «ليبي فزاني» من اللهجه وسمرة الوجه رغم حرارة السلام والترحاب، وعادة ما يتحفنا الأخوة الليبيون بالترحاب وحرارة السلام. ٭ وعندما أخبرني عباس بالاسم قمت وعانقته من جديد، وعلق «بأن هذا ما يميزنا من غيرنا» عند أشياء خاصة نتميز بها، فإن سلامك الأول لاخ عربي أو افريقي أو ليبي وهو لا غبار عليه ولكن سلامك الثاني لسوداني فيه طعم خاص احس به من دون الآخرين. ٭ هي مشيئة الله في هذا الوطن أن نفقد بعض من مبدعينا خارج الوطن رغم عشقهم لهذا الوطن، كالشاعر جبلي عبد الرحمن، والفنان التشكيلي «بهنس» وغيرهم وأصبح أمراً شائعاً أن يستقبل مطار الخرطوم على الدوام صناديق من قناديل ونجوم تنطفي خارج الوطن، قبل أيام قلائل فقدنا مبدع في مجال العلوم والطب قدم للانسانية جمعاء عصارة علمه، الدكتور ناجي محمد أحمد عبد الله نجل البرفسور محمد أحمد عبد الله عميد كلية البيطرة بجامعة الخرطوم الأسبق، والفقيد إنطفأ نجمه في دولة كوريا الجنوبية بعد حصوله على الدكتوراة في مجال جديد يفتح آفاق جديدة في علم الأدوية والتداوي، ولقد نشرت له المجلات الطبية في المملكة المتحدة، وأمريكا بحوثاً كثيرة في هذا المجال، ويمكن للباحثين بالنقر في الشبكة العنكبوتية باسم د. ناجي للحصول على تلك البحوث وهو خريج جامعة أم درمان الإسلامية، رغم مطالبة جامعة سيول له بالبقاء، إلا أنه فضل الرجوع للسودان ولكن هيهات كانت مشيئة الله هي الأسرع علاوة على خلقه القديم وكان يؤم المصلين في الجامع صلاة الجمعة بثلاث لغات، ولقد قامت السفارة مشكورة بالواجب وايصال جثمان الفقيد للبلاد وقبر الأسبوع الماضي بمقابر حمد بالخرطوم بحري. ولقد احتسبت الاسرة الفقيد بصبر جميل استحقت فيه بإذن الله بشارة الله عز وجل «وبشر الصابرين» فلهم البشرى في الدنيا والآخرة. ٭ رغم هذه الابتلاءات للوطن في مبدعى بلادي فمازال رحم روضة ولود ودود، فشكراً الإتحاد العام للصحفيين السودانيين بالاهتمام بواحد من مبدعي بلادي قبل وبعد الموت، وأرجو أن يتبنى الإتحاد إعادة طباعة بعض دواوينه ليتعرف عليها جيل السودان الجديد، أيضا دفن الفقيد بالمغرب دلالة بأن الفقيد كان للعرب جميعاً وأفريقيا بما تمثله المغرب من عمق عربي وامتداداً افريقياً، نسأل الله الرحمة لجميع من رحلوا من المبدعين ويجعل كل ما قدموه في ميزان حسناتهم وإنا لله وإنا إليه راجعون.