٭ وكأني على موعد مع «القَدَرْ الكهربائي» .. ففي اللحظة التي جلست فيها لكتابة هذه «الإضاءة» .. تمام الساعة الثانية عشرة إلا دقيقة ظهراً .. انقطع التيار .. وكان عليَّ أن أتصرف لأنجز ما بدأته .. خلعتُ القميص «العراقي» وجلست على المكتب بنصف أعلى عارٍ كما ولدتني أمي .. إلا من نظارة القراءة والقلم في يدي لأعالج الموضوع الذي ما هو إلا «أزمة الكهرباء» ذاتها. ٭ فقد ورد على الصفحة الثالثة أمس الأول «السبت» من هذه الصحيفة بعنوان أحمر «الحكومة تبدي استعدادها للخروج من قطاع الكهرباء» تلخيصاً لإفادات وزير الكهرباء معتز موسى، لبرنامج «مؤتمر إذاعي» الذي تبثه إذاعة أم درمان .. وذلك في أعقاب اجتماع مطول مع رئيس الجمهورية .. عبَّر خلاله معتز عن استعداد حكومته للخروج من قطاع الكهرباء «لصالح» شركات القطاع الخاص قائلاً : «إذا وجدنا جهة بتقدر تعمل توليد وتوزيع مرحباً بها وسنكون أسعد السعداء» .. العبارة أعادتني سنوات عديدة إلى الوراء، فقد كانت تتكرر بين الفينة والأخرى على لسان صهري وصديقي الراحل العزيز تاج السر حسن آدم رحمه الله .. القائد النقابي العمالي بهيئة السكة حديد الذي كل ما مرَّ بموقف ارتاح له أو أبهجه .. شربة ماء بارد أو خبر مفرح في صحيفة مثلاً .. يهتف معبراً عن ذلك بجملة قصيرة واحدة «يا للسعادة» .. ٭ الوزير معتز ذهب على ذات النهج وزاد عليه عندما وصف حالة حكومته إذا ما تحقق «الحُلم» وتم بيع «جَمَل الكهرباء بما حمل» .. توليداً مائياً عبر السدود وحرارياً عبر الماكينات وخطوط الضغط العالي العابرة للولايات وحتى شبكات التوزيع الداخلي والعدادات في المصانع والمكاتب والبيوت .. فإذا ما تحقق ذلك الحلم فستكون الحكومة ويكون الوزير «أسعد السعداء» بحسب تعبيره. ٭ نحن إذاً بإزاء حكومة ووزير تتجه إرادتهما ويحلمان بالتخلص من «صداع الكهرباء» التي فشلت كل محاولاتهما في إيجاد حل ناجز له .. فهو صداع «نصفي أو كامل» لا أدري لم تفلح كل المسكنات في وضع حد له، ولم يعد أمامهما إلا إجراء عملية جراحية كبرى «بفتح الرأس» وإخراج «أصل الداء» من جذوره والإلقاء به خارج دائرة مسؤوليتهما المباشرة «الحكومة والوزير» وتكليف شركة أو مجموعة من الشركات بمهام «التوليد والتوزيع» حتى تشعر الحكومة ووزير الكهرباء بالسعادة، بل يصبحان «أسعد السعداء» .. ولم يسأل الوزير نفسه ذلك السؤال التلقائي البسيط وهو يفضي بتلك «الأمنية الغالية» : إذا كانت الشركات التي يتحدث عنها هي التي ستتولى مهام التوليد والتوزيع .. فلماذا يكون هناك «وزيراً للكهرباء» كسعادته من أصله؟ ٭ ومع ذلك أبدى الوزير أسفه على حالهم الراهن «كحكومة» إذ قال بتحسر : «أنَّ قَدَرَهم أن يمضوا في المصاعب و«عدم التهرب من مسئوليتهم» .. ولا أدري أي تهرب أكثر من أن يحلم الوزير وحكومته ببيع قطاع الكهرباء «توليداً وتوزيعاً» وأن ذلك سيجعل منهم «أسعد السعداء» أو كما قال .. ٭ قدم الوزير في إطار حديثه للبرنامج أرقاماً مهولة حول ما يكلفه استهلاك الكهرباء من الوقود، إذ بلغ خلال العام الحالي (3.5) مليار جنيه (ترليون بالقديم) .. خصوصاً بعد زيادة أعداد المشتركين إلى مليونين ومائتين وعشرة آلاف مواطن .. ورأى في ذلك زيادة مهولة خلال السنوات الخمس الأخيرة .. أي بعد إنشاء سد مروي الذي قال إن «الكهرباء قبله تكاد تكون عملية بتاعة (تحلية أو فاكهة) .. وما كانت عملية أساسية مطالباً «بترشيد الاستهلاك» ٭ وحتى لا نقسو على السيد الوزير معتز نقول له: لم تكن الكهرباء حتى في عصر الاستعمار و»شركة النور» ناهيك عن قبل سد مروي نوعاً من «التحلية أو الفاكهة» وهي كانت على الدوام خدمة أساسية ومقدمة ضرورية لتقدم الأمم ونهضة الشعوب .. وأذكره بالوعود والهتافات الداوية التي ملأت سماء السودان لحظة إنجاز سد مروي «الرد الرد .. الرد بالسد» .. فيا للحسرة .. فقد تحول ذلك الوعد والهتاف والرد بعد سنوات قليلة إلى «أحلام يقظة» ببيع هذه «الخدمة الاستراتيجية»، في بلدٍ هو بعض الدول النامية، لشركات خاصة تقدمها وتخلص الحكومة من صداعها حتى تشعر بالسعادة .. و»السعادة ما بتدوم» كما غنى المغني السوداني «علي إبراهيم - اللحو» منذ القرن الماضي.!