*حملت صحف الأحد خبراً محزناً آخر.. وما أكثر الأخبار الجالبة للحزن والتعاسة والإحباط.. خبر عنوانه" اتفاق على رفع الحظر الأمريكي عن "تجارة الصمغ العربي" مع السودان.. يبدو في ظاهره المخادع، وكأنما هو انتصار لبلادنا وتسجيل نقطة لصالح السودان في ملعب المقاطعة الأمريكية.. ولكن قراءة فاحصة ومتبصرة لجوهره تقول بغير ذلك.. تقول كان لدى السودان فرصة لأن يكون "الصمغ" مدخلاً لفتح ملف المقاطعة والحصار ووضعه تحت أضواء كاشفة ليمارس "المفاوض السوداني".. الذي هو "الحكومة" هنا.. ضغطاً على المفارض الأمريكي المتلهف للاستحواذ على هذه السلعة "الحيوية" بأي ثمن ولا يمانع في استثنائها من آليات العقوبات والحصار. *فقد جاء في الخبر المذكور أن اتفاقاً قد تم بين مع الوفد الأمريكي الأمريكي.. الذي يقوده بشكل "أستثنائي" أيضاً، المبعوث الأمريكي دونالد بوث.. بعد تعليق لزيارته منذ أواخر العام 2013م.. الاتفاق يضمن رفع الحظر عن تجارة الصمغ العربي والتحويلات البنكية والآليات الزراعية والمعدات الطبية، وكل ما يساعد في انتاج وتسويق الصمغ العربي عالمياً.. *دونالد بوث- بحسب الخبر- تعرف من خلال لقاءين منفصلين مع اتحاد أصحاب العمل ومجلس الصمغ العربي على تأثير العقوبات على سلعة الصمغ العربي ومعاناة رجال الأعمال السودانيين الكبيرة جراء الحظر الأمريكي.. وكشف الأمين العام لمجلس الصمغ عبد الماجد عبد القادر أن أمريكا تستورد 70% (سبعين في المائة) من انتاج السودان من مادة الصمغ، وهو الانتاج الذي يشكل 85% (خمسة وثمانين في المائة) من الإنتاج العالمي. *كان عبد الماجد صريحاً ومباشراً عندما أوضح أن "واشنطن تعمدت استثناء الصمغ من قائمة العقوبات (لاحتياجها الشديد) لهذه السلعة".. وقال: إن الولاياتالمتحدة التي تفرض حصاراً اقتصادياً على السودان منذ عشرين عاماً استثنت الصمغ العربي لعلمها بأهميته، إذ أصبح يدخل في المكونات الرئيسية لصناعة الأغذية المهمة للإنسان، فضلاً عن استخدامه في صنع الذخائر والمفرقعات.. وقد ساهم عدم الإستقرار في دول غرب أفريقيا التي كانت تنتج نسبة مقدرة من الصمغ في دول كنيجيريا والنجير ومالي في خفض هذه النسبة وعادت الصدارة التاريخية للسودان كأكبر منتج للصمغ العربي في العالم. *إذن، كان بين يدي المفاوض السوداني ورقة مهمة للضغط تحمل عنوان "المنتج الأعظم للصمغ العربي"... ورقة إذا ما أستخدمت بذكاء ودُربه كفيلة بأن تفتح ملف العقوبات وآثاره المدمرة على اقتصاد البلاد، وهي العقوبات التي يعاني منها لمواطن السوداني والمستثمر السوداني أيضاً -قبل الحكومة- كما وضح من أهتمام رجال الأعمال الذين تمكنوا من اقناع الجانب الأمريكي والمبعوث دونالد بوث بسلامة حجتهم بإزاء تلك السلعة التي تهم واشنطن أكثر من أي بضاعة أخرى. لكن لأن الحكومة مهتمة برضاء أمريكا، قبل أي شيء آخر، لم تتترد كما يبدو من الخبر، في قبول العرض باستثناء الصمغ وتحويلاته البنكية والآليات الزراعية وبعض المعدات الطبية الضرورية، مع الإبقاء على سيف العقوبات مسلطاً على رؤوسنا ما عدا بعض الاستثناءات اليسيرة التي "تفضلت" بها أمريكا علينا في أوقات سابقة.. *الصمغ، على أهميته، لم يكن الورقة الوحيدة، التي كان يمكن للسودان اللعب عليها، فالأوضاع المأزومة والمضطربة في محيطه الأفريقي، وفي جنوب السودان خاصة، تمثل فرصاً أخرى أمام السودان ليضغط أكثر من أجل علاقات متوازنة ومنتجة مع الولاياتالمتحدة.. ولكن مع أسف كلها فرص ضائقة .. في الصمغ وغير الصمغ.. بسبب الخضوع لمعادلة "حكم القوي على الضعيف" .. المعادلة التي يفسد مفعولها التمسك بالقرار الوطني المستقل والإرادة السياسية النافذة.. ولكم في إيران مثلاً يا أولي الألباب.