٭ وبعد«شراب الشاي» ونحن جلوساً على «بنابر» «ست شاي» أسفل كبري توتي.. وموجات عابثة من النيل الأزرق «ترش» في عناد أقدامنا.. نتسلل مرة أخرى إلى شرفة قاعة الصداقة.. خفية وخلسة و«بالدس» وتماماً كما يفعل «الشماشة» عند صيوان مترف تضيئه ثريات ملونة.. وتنيره ابتسامات ثغور نساء بلون الدهشة.. بملمس العطر.. ونواصل الونسة.. وما زلت أمطر عصام بكثافة بنيران أشد هولاً من تلك التي أمطر بها «النازي» «دنكيرك».. وأقول.. ٭ أنا أعرف يا عصام أنك موجوع مثلي.. بل أنت مفجوع أكثر مني.. أعرف أنك تكتب عن آلام وآهات الشعب بأطراف أسنة وخناجر.. وأحياناً بدم نازف ودمع هاطل وأحياناً بجمر متقد وأعواد مشاعل.. أعرف أنك ما تركت للحكومة «صفحة ترقد عليها».. كل ذلك يا حبيب لأنك مفجوع.. كل ذلك يا حبيب لأنك قد ساهمت إن كنت تدري أو لا تدري في ذاك الكرب العظيم الذي يعيشه هذا الوطن، ويصطلي بجحيمه شعب هذا الوطن.. أنت يا حبيب رقم لا يتجاوزه بشر أو جان في منظومة «الأخوان» و «الأخوان» هم الذين زرعوا كل هذا فكان ذاك الحصاد المر. ٭ الحبيب عصام.. نعم هي «ونسة» مع صديق وأخ حبيب.. ولكن صدقني إنها عتاب وملام.. ومحاكمة على الهواء قبل محكمة التاريخ.. وقبل محكمة الأهوال عندما يصير الناس كالفراش المبثوث، وتصير الجبال كالعهن المنفوش.. هناك أنا أخشى أن يقول الأخوان «مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة أو كبيرة إلا أحصاها».. ثم عتاب .. ولكنه لن يكون وفق مدرسة عبد الوهاب هلاوي.. لو مستني مني الملام يا سلام عليك».. ولن يكون على خطى عزمي أحمد خليل ذاك الذي لا يلوم ولا يغضب مطلقاً.. إذاًَ دعه يكون مستوحاة حروفه من مدرسة ذاك الذي أفنى عمره أمام أبواب الأمراء والسلاطين، ولكنه انتفض أخيراً وبعد أن فاض به الكيل، فقذف بحجارة الكلمات والحروف سيف الدولة، وهو يرعد ويرغي ويزبد. ويعلم الجمع ممن ضمن مجلسنا بأني خير من سعت به قدم.. ٭ الحبيب عصام لن أحدثك عن الوطن وأحداثه وتفاصيله الآن.. لن أحدثك عن ذاك الأتون المشتعل بالجحيم الذي يتقلب فيه شعب الوطن الآن.. لن أحدثك عن المعاناة.. والفقر والمسغبة التي تنفرط مظلات داكنة فوق رؤوس هذا الشعب المدهش العظيم.. لن أحدثك عن حرف من ذلك الكبد والرهق والنصب والخوف والفزع الذي يجابهه أبناء هذه الأمة العظيمة.. فقط لأني قرأت وبعيون دامعة كل حروفك التي تتحدث عن ذلك في «ألوان» الجمعة الماضية، أحدثك يا حبيب عن كيف كان الوطن وقبل ربع قرن من الزمان وقبل أن تسرجوا خيولكم لتدهسوا خيمته في غلظة وقسوة، أحدثك عن وطن كان يفرح حتى النيل بمجرد أن تلامس حبيبات أمواجه هذه الأرض الطاهرة الباسلة.. يحدثك عن ذاك النوبي الفصيح «مرسي صالح سراج» وهو يقول هام ذاك النهر يستهلم حسناً.. فإذا عبر بلادي ما تمنى طرب النيل لديها وتثتي.. عصام مع السلامة وحتى بكره..