بينما كنا ننتظر صينية الفطور البيت الكبير بأم درمان وأظنكم تعلمون جمعة أم درمان أو حتى سمعتم بها... وفجأة جاءت إحداهن تحمل «ملاح تقلية» وهي تقول: هاكم أكلوا تقليتي دي لأنها أصلية.. زي حقت زمان، وهي تقصد أنها تختلف من تقلية اليومين ديل بأن مكوناتها مجففة «البصل واللحمة والويكة أوالبامية».. وعندها سرحت بخيالي ووجدت أن معظم أسباب أمراضنا الإقتصادية تكمن في تغيير النمط الاستهلاكي، ودخول طريقة جديدة للحياة غير التي كنا نعيشها.. وهذا التغيير لم يجد الإمكانات التي تسنده وتجاريه، لذا ظهرت علينا آثاره السالبة.. ففي السابق كان أهلنا يقومون بتجفيف «البصل، اللحوم، البامية، الطماطم، والتوم والكسرة» في أوقات وفرتها ويستخدمونها في غير موسمها.. أما الآن فهذا لا يحدث لأن المجتمع رفض قديمه ونساه فتاه.. ودعونا نحاول الوقوف على هذه التغيرات، ولنبدأها أولاً بدقيق القمح الذي لم يكن استهلاكنا له بهذه الكمية أوحتى من هذا النوع.. فقمحنا الذي نزرعه نقوم باستهلاكه في حياتنا اليومية ويستخدمه أهل الشمال في القراصة والفطير، وناس الخرطوم في الخبز ولا نسمع عنه في «الصعيد» أو في الجزيرة أو غرب السودان أو شرقه، لأنهم يستخدمون الذرة بأنواعها في صناعة ما يأكلون، وأحياناً ما يشربون أيضاً.. لكن المجتمع الآن قد تغير ودخل القمح المستورد، فتغير كل شيء بإرادة المجتمع أو من غيرها، فدخل الخبز الفاخر والتركي وبسكويتات الشاي بأنواعها، والخبائز والفطائر والمعجنات كل هذه تحتوي مقاديرها على أنواع من الأجبان 90% منها مستورد، ناهيك عن السكر والزيتون واللحوم المصنعة، فلم يعد بيت أو حي يخلو من مصنع لهذه الوجبات.. فتخيلوا كم ينفق الفرد من دخله المحدود عليها، وكم تنفق الدولة عليها من عملات صعبة حتى تستورد القمح وملحقاته.. ثانياً السكر: ولكم أن تتأملوا كيفية وكمية استهلاكه والتغيير الذي حدث في طرق استخدامه. وهذا بالطبع حدث في قطاع اللحوم لكن مشاكله تبدو بائنة، لأن تغيير النمط الاستهلاكي قد زاد بعض المشاكل التي أصبحت شبه مزمنة.. واعتقد أن أزمة الاقتصاد السوداني ستزيد كلما ابتعد المواطن عن الإعتماد على إنتاجه المحلي، فكيف يمكن أن تحل مشاكل اقتصاد يستورد حتى الوجبات الرئيسية... سادتي لابد من قيادة ثورة للتغيير.