من غير مصر يحمل هم الشقيق التوأم السودان.. من غير مصر يشارك السودان في حضارة عمرها سبعة آلاف سنة.. من غير مصر يقف مسانداً السودان في المحافل الإقليمية والعاليمة.. فعندها تصرخ الخرطوم.. تئن لها القاهرة وتتألم.. مصر والسودان ارتبطا بمصير واحد، فهما يمثلان شطري وادي النيل منبع الحضارات والعلم والمعرفة..علائق كثيرة تربط الشعبين بعضهما ببعض وأكبر رابط.. الرباط الأزلي.. «نهر النيل العظيم».. فعبر السودان يأخذ النيل مجراه حتى مبتغاه الأخير.. فالمياه هي استمرارية الحياة لمصر والسودان. فكم من مصائب ونائبات حلَّت بمصر وجدت السودان أول من لبى النداء.. وفي الصفوف الأمامية يقف سداً منيعاً يهب دم أبنائه وأرواحهم فدءاً لمصر الشقيقة.. وبالمثل.. كانت مصر سباقة.. ذات استجابة فورية لمشاكل السودان وقضاياه، تقف مؤازرة.. ومدافعاً جسوراً.. تدخل بثقلها ودبلوماسيتها العريقة مناصر قضايا السودان في المحافل الإقليمية والدولية والمحلية.. بدءً من الدور الذي تفعله في جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي.. يعلو صوتها في المحافل الدول.. هيئة الأممالمتحدة ومجلس الأمن.. تدافع عن قضايا السودان وتناصره، وتشارك في الرؤى والرأي. ü التحية لمصر وقياداتها وعلى رأسها فخامة الرئيس مبارك وأركان حربه.. والتحية أيضاً لبعثة مصر الدبلوماسية بالخرطوم التي نسمع صوتها مجلجلاً بكل المؤتمرات الداخلية مؤيدة قضايا السودان مناصرة لمشاكله السياسية الإقليمية منها والدولية.. ولا يشوبنا أدنى شك أن صوت البعثة بالخرطوم تحمله مياه النيل إلى القاهرة لتتبلور الرؤى المصرية وتتوافق مع ما تقوله الخرطوم. الآن الأمن المصري مهدد باعتراضات بعض دول حوض النيل لحصص المياه المخصصة لمصر، كذلك الأمن السوداني مهدد بتداعيات الانفصال والدولة الوليدة بالجنوب.. مصر تتحرك لحماية مصالحها المائية، وفي نفس الوقت ينتابها خوف شديد من تمزيق السودان إذا جاءت نتيجة الاستفتاء لصالح الانفصال.. أما الأفارقة هم أصحاب الصوت العالي، فدول الجوار الملاصقة للجنوب مع الانفصال وتدعمه. حقيقة أن الانفصال يهدد الأمن المصري أكثر من قضية المياه، وكذلك يهدد الأمن العربي جميعاً.. لو تم الانفصال لتربعت إسرائيل في قلب أفريقيا وتحقق هدفها.. أما الولاياتالمتحدةالأمريكية فستجد الموقع المناسب في جنوب السودان لتوسيع آفاق التواجد الأمريكي في قلب القارة السمراء. ü ومن الجانب الآخر من غير السودان ليساند مصر في رابطة حوض النيل لتأكيد حقها التاريخي لكمية المياه التي خصصت لها عبر اتفاقيتين تاريخيتين (1959-1929).. ولعل الموقف المشرف للسودان عندما وقف مؤازراً لمصر في الجدل الذي أُثير في الفترة الأخيرة من قبل دول حوض النيل لإعادة توزيع حصص المياه بين دول المنبع في احباس النيل العليا وإعادة النظر في حصص المياه لدولتي المصب.. وكان لزاماً على السودان مسانده مصر والوقوف مجابهاً لتأمين كميات المياه التي تحتاجها مصر.. ومن غير السودان سيفتح الأبواب مشرعة لاستقبال إخوانهم المصريين إذا فكروا في الزحف جنوباً، إذا ما ضافت بهم الأرض هنالك، وقلت موارد العيش بسبب الزيادة السكانية المضطرده التي تواجها الشقيقة مصر كل عام. ومن غير السودان يمثل العمق الإستراتيجي لمصر وحائط الصد للبوابة الخلفية لمصر.. فالتجارب التاريخية والأحداث الهامة عبر عقود من الزمان تبرهن العلاقة الأخويه والحميمية بين السودان ومصر.. وها نحن نلاحظ نوايا مصر الحسنة تجاه السودان والوقوف معه قلباً وقالباً في التجربة المريرة التي يمر بها الآن.. فالانفصال الذي ينادي به الإخوة الجنوبيون للانشطار من السودان الموحد لا محال يعتبر تهديداً للأمن المائي المصري الذي ظل السودان الموحد ومنذ بداية القرن العشرين يؤكد حاجة مصر لحصة أكبر من المياه ويصر على أن مصر تختلف عن غيرها من بلدان حوض النيل في المساحة وعدد السكان وقدرتها على استغلال المياه.. وأكبر دليل على مساندة السودان لمصر توافق الرؤى مع مصر في كل اجتماعات دول حوض النيل بالرغم أن الكثير من الانتقادات والاعتراضات التي أثيرت من بعض أعضاء منظمة حوض النيل على الحصة المخصصة للشقيقة مصر. وهكذا السودان دوماً ظل وسيظل مدافعاً جسوراً متعاوناً ومنسقاً مع شقيقته في كل المحافل الدولية لكل القضايا المشتركة ويتطابق مع الرؤى ووحدة الكلمة. خلاصة القول.. من غير مصر يقوم بدور إيجابي لنزع فتيل القنابل الموقوتة التي يفجرها أعداء السودان في الداخل والخارج.. ومن غير مصر في مقدروه لعب دور إيجابي في تهدئة الأوضاع بجنوب السودان بعد أن فشلت كل المساعي لإبعاد شبح الانفصال، وأن يظل السودان دون أن ينشطر جزء منه بفعل المؤامرات الخارجية والمخططات والسياسية الرامية لإضعافه والهيمنة على ثرواته وموارده. الآن أصبحت الأمور واضحة وما يدور في الجنوب من أجل الانفصال يثير الكثير من القلق والمخاوف، برغم أن المتفائلين لا يزالون يراهنون وحتى اللحظات الأخيرة أن ربما تحدث معجزة إلاهية تخلط أوراق اللعبة وتعيد الأمور إلى نصابها.. وحقيقة أن عالم السياسة ملئ بالمفاجآت والمفارقات.. وتبقى الوحدة وحتى آخر لحظة الخيار الأفضل والأمثل للإخوة في الجنوب مها كانت المرارات والضغائن التي مازالوا يحملونها في صدروهم.. ولذا نقول وبكل ثقة من غير مصر الشقيقة يمكن أن يلعب دوراً مهماً ومؤثراً في المسألة الجنوبية لتحدث المعجزة وتتجه البوصلة إلى ناحية الوحدة بدلاً من الانفصال.