خلال الشهور الثلاثة الماضية، أطلق وكيل وزارة العمل الاتحادية «الفريق آدم حمد».. عشرة مشروعات ضخمة، وموضوع المقال واحد منها، وهو «نظام تفتيش العمل» الذي أطلقوا عليه: «حملات التفتيش على المؤسسات العامة والخاصة»، والتي بدأت في 17 أكتوبر 2010 عبر أربع فرق، ثلاث لولاية الخرطوم، والرابعة لولايات السودان الأخرى، وتنتهي في ديسمبر القادم تحت شعار: التوعية، الحماية والضبط.وأبان الوكيل أن تفتيش المنشآت من أهم واجبات وزارة العمل الاتحادية التي أهملت لما يقارب السبعة عشر عاماً «!»، وأن الوزارة أفردت في هيكلها للعام 2010 (إدارة عامة للتفتيش)، تعمل على التوعية بأهمية التفتيش والسلامة المهنية ومستويات العمل ومراجعة القوانين وبيئة العمل، وأن الحملات التفتيشية التي انطلقت هي تحت قانون العمل 1997 واللوائح (الاتحادية والولائية). ولم أصدق ما يجري، واحترمت صمت اتحاد العمال واتحاد أصحاب العمل والآخرين.. (!)، فالحقيقة أن السودان لم يشهد قيام هيئة لتفتيش العمل بالمعايير الدولية منذ قانون المخدم والشخص المستخدم لسنة 1948.وقوانين العمل السودانية منحت سلطة تفتيش العمل في القطاع الخاص والمنشآت الخاضعة لقانون العمل لمكاتب العمل التي وصفها السيد الوكيل مرة بأنها يتيمة، ومرة أخرى بأنها ضعيفة، والمهم أن مكاتب العمل من بعد إجازة الدستور القومي الانتقالي تحت إشراف ومسؤولية الوالي لا وزارة العمل الاتحادية.. والمادة (15) من قانون العمل 1997 الذي اعتمدت عليه وزارة العمل الاتحادية في حملاتها، تنص على أن سلطة التفتيش والتحقيق يختص بها الموظفون المفوضون من الوزير، والذين يحملون بطاقات تثبت تفويض السلطة لهم في زيارة المشروعات في أي وقت من الأوقات للقيام بمهمة التفتيش أو التحقيق أو فحص المستندات والسجلات التي لها علاقة بالعاملين. ونلاحظ هنا أن التفويض للتفتيش يختلف عن التفويض العام من الوالي لمفتشي العمل هذا من ناحية، كما أنه من ناحية أخرى لا توجد في القانون (حملات تفتيش عمل طارئة)، بل تفتيش عمل يقوم به موظفون في الخدمة بتفويض من الوزير، والوزير قد يقصد به وزير العمل الاتحادي قانون 1997، وقد يكون وزير الحكم المحلي والعمل في القانون الولائي.. وهؤلاء الموظفون المفوضون من الوزير، من حقهم طلب البيانات اللازمة من أصحاب العمل أو من ينوب عنهم أو استدعاؤهم اذا رأوا ضرورة لذلك، وعلى أصحاب العمل أو وكلائهم أو من ينوب عنهم، تسهيل مهمتهم وتقديم المعلومات الصادقة والصحيحة. كما دعا قانون العمل 1997 السلطات المختصة لمساعدة الموظفين المفوضين عند قيامهم بوظيفتهم إذا اقتضت الضرورة.. وتعريف السلطات المختصة بقانون 1997، وهو قانون اتحادي، هو وزير العمل الاتحادي أو الوالي بحسب مقتضى الحال. وبذات قانون 1997 فإنه من واجب وزير العمل الاتحادي إصدار أمر ينظم طرق وإجراءات التفتيش وبطاقات الموظفين المفوضين. ومعلوم أن قانون العمل 1997 من القوانين التي لم تتم مواءمتها مع الدستور القومي الانتقالي. وبالدستور فإن للولايات قوانين عمل خاصة بها، ومن واجب الولايات إقامة هيئات تفتيش العمل خاصتها.ومشروع قانون العمل لولاية الخرطوم جعل التفتيش والتحقيق سلطة أصيلة لمكاتب العمل، وحدد الجدول (ج) الملحق بالدستور المؤقت، اختصاصات الولاية التنفيذية والتشريعية الحصرية وهي: - الرعاية الاجتماعية بما فيها المعاشات. - الخدمة المدنية على مستوى الولاية. - تعيين وتوظيف عاملي الولاية وتحديد صلاحياتهم ودفع مرتباتهم. - وضع شروط العمل وساعات العمل وأيام العطلات داخل الولاية. - إنفاذ القوانين الولائية. ومن الاختصاصات المشتركة بالجدول (د) الترخيص للتصنيع، وبالطبع فإن من بين القوانين الولائية القوانين العمالية وقانوني العمل والخدمة المدنية، فتكون منشآت القطاع الخاص في الولاية تحت مسؤولية الوالي. استعجلت وزارة العمل الاتحادية نشر الحملات قبل ترتيب بيتها، فافتقرت الحملات للإطار القانوني وخلطت بين مسؤوليات الاتحادية وواجبات مستوى الحكم الولائي، فإقامة الوزارة لإدارة عامة للتفتيش ضمن هيكلها للعام 2010 لا يعني أنها أقامت نظاماً للتفتيش بحسب المعايير الدولية أو حتى نفذت قانون العمل 1997 بشأن التفتيش والتحقيق، ولن تتجاوز مهمة هذه الإدارة التوعية ووضع الخطط وتدريب المفتشين. والمعايير الدولية لتفتيش العمل تضمنتها عدد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية: الاتفاقية العربية رقم (19)، والاتفاقيات الدولية رقم (81) و(85) و(170)، والتوصية رقم (20) بشأن المباديء العامة لتنظيم نظم التفتيش لضمان تطبيق القوانين واللوائح الخاصة بحماية العمال. ونص دستور منظمة العمل الدولية على مبدأ إقامة كل دولة نظام للتفتيش تشارك فيه المرأة ويهدف الى ضمان تطبيق القوانين واللوائح الخاصة بحماية العمال، «وفي حالة السودان: قانون العمل الإطاري أو الاتحادي وقوانين العمل الولائية وقانون التأمينات الاجتماعية وقانون التأمين الصحي وقانون الحد الأدنى للأجور وقانون لجان الأجور وقانون الخدمة المدنية الاتحادي وقوانين الخدمة المدنية الولائية، ولوائح تلك القوانين، ولوائح وقانون السلامة والصحة المهنية وبيئة العمل... الخ». فهيئة تفتيش العمل بالاتفاقية الدولية تقوم على أساس دائم ولا تتأثر بتغيير الحكومات، ولها مفتشون على مستوى عالٍ من التدريب والخبرة يكفل لهم وضعهم وظروف خدمتهم استقرار الاستخدام وهم مستقلون عن الحكومة وعن التأثيرات الخارجية غير السليمة، ويمكن لهيئات التفتيش أن تتعاون مع غيرها من الإدارات الحكومية والمؤسسات العامة أو الخاصة التي قد تشارك في مثل هذه الأنشطة. وكل القوانين العمالية في جميع الدول تنص في أحكامها على آلية أو هيئة تفتيش العمل المستقلة التي تقوم بزيارة المنشآت دون إعلان، وتتلقى مكاتبها البلاغات، وتنظر في شكاوي العاملين... إلى آخر، فهي من آليات حماية العمال الطرف الضعيف في علاقة العمل، ولا يخفى أنه كلما كان نظام تفتيش العمل كفؤاً كلما استقرت علاقات العمل، وتضاءلت أعداد الشكاوي والدعاوي أمام مكاتب ومحاكم العمل. وهيئة تفتيش العمل الدائمة والمستقلة يلتحق بخدمتها أعداد من المفتشين المؤهلين من ذوي التجارب بحسب عدد أماكن العمل الخاضعة للتفتيش وطبيعتها وحجمها وأعداد العاملين فيها وعدد الأحكام القانونية التي يجري إنفاذها. ففي دولة الإماراتالمتحدة (نوفمبر 2006)، تم تعيين ألفي مفتش عمل «المفتشين بمكاتب العمل في كل ولايات السودان أقل من مئتين!!»، ضمن هيئة تفتيش العمل وفق المعايير الدولية لتعزيز عنصر الرقابة، وفي سوريا (أغسطس 2008)، تمت مضاعفة أعداد مفتشي العمل لتأمين وضمان مراقبة القوانين العمالية وفقاً لمتطلبات اتفاقيات تفتيش العمل الدولية والعربية، فقرر قانون العمل السوري الحماية اللازمة لمفتشي العمل ومنح قراراتهم التنفيذية صفة الضابطة العدلية بموجب قانون أصول المحاكمات الجزائية بالنسبة للمخالفات التي تقع في دوائر اختصاصهم وتكون متعلقة بالوظيفة. وفي دولة الأردن، فإن مكاتب هيئة تفتيش العمل تعمل على مدار الأربع وعشرين ساعة لتلقي البلاغات والشكاوي. فما معنى أن يقوم السودان في 2010 بحملات تفتيش طارئة ومعلنة؟.. ومع كل ذلك فإننا نتوقع من وزارة العمل الاتحادية إصدار بيان للرأي العام يوضح أعداد المنشآت القائمة، وأعداد العاملين، وأعداد الزيارات التي نفذت، والأحكام القانونية التي جرى تفتيشها والنتائج العامة، وكذلك عليها بيان عناوينها وأرقام هواتفها حتى يتمكن العاملون من رفع بلاغاتهم وشكاواهم.