في صباح اليوم الثاني.. والشمس تنسج خيوطها الذهبية على سطح الأمواج المتلاطمة.. كنا حضوراً جميلاً في متحف البحر الأحمر للأحياء المائية "بورتسودان أكواريوم".. رائحة الجبنة الشرقاوية وعطر بخورها المميز.. تعبق الفناء الخارجي.. في ركن قصي جلس أدروب بزيه المميز الأصيل.. وهو يقلب قطع اللحم المشوي المميزة للمدينة "السلات" .. وأمواج البحر تتراقص خلف المبنى.مبنى جميل ومميز.. يزخر بكافة أنواع الحياة البحرية وثرواته الضخمة.. استحوذت على استحسان ودهشة الحاضرين.. ثروات مهولة برأي المتواضع أن تم تسويقها بالشكل المطلوب.. قد لا نعرى ولا نجوع بعدها أبداً.. كما يقولون.. وقد تسهم في دفع عجلة الاقتصاد والتنمية!. الحياة البحرية وجه آخر من أوجه المدينة المميزة.. غِنى البحر الأحمر بهذه الثروات يجعله قبلة السواح والمستثمرين. "استاكوزا" ضخمة ومحنطة لفتت انتباهي حيث يباع الكيلو منها في أفخم المطاعم العالمية بأسعار باهظة الثمن.. إن تم تصديرها مع الجمبري وثمار البحر الاحمر الأخرى.. قد تشكل إحدى مدخلات الإنتاج.. لرفاهية الإنسان والسودان.. في ظل التردي الاقتصادي هذه الأيام.. وفي ظل البحث عن بدائل اقتصادية عقب خروج البترول من الميزانية. بورتسودان "أكواريوم" وبجماله الأخاذ نافذة صغيرة لثروات ضخمة و"مهملة" في جوف البحر الأحمر.. أبدى الكثيرون اندهاشهم لتواجدها في سواحلنا. محطتنا التالية في معرض الثرات.. كانت محطة أخرى للدهشة والانبهار، السودان المصغر بكل تاريخه وآثاره تقبع في المكان.. حضارات شمال ووسط السودان.. كانت حاضرة مع نماذج لهذه الثروات الأثرية الضخمة.. أما حضارة الشرق وتاريخه.. وعادات أهله ومورثاتهم.. جملت المكان، ولكني أعيب على إدارة المتحف عدم وجود كاميرات مراقبة لحماية هذه الآثار الضخمة التي قد تثير مطامع الكثيرين. في فناء متحف التراثي لفت نظري التوثيق لتاريخ "السكة الحديد" . التي تمثل بوابة الاقتصاد السوداني، حيث كانت فيما مضى.. وفي أوج عظمتها وعنفوان شبابها بوابة أخرى لاقتصاد السودان.. حيث يتم نقل البضائع من كل ولايات السودان عبرها من وإلى الميناء الرئيسي.. لذلك من الصادرات والواردات يحزنني أن تكون عربة عمال الدريسة، التي يتم بها تنظيف واختيار جودة خطوط السكة الحديد.. من ضمن معروضات التراث.. وجزء أصيل من الماضي والزمن الجميل. في محطتنا الثالثة، قوبلنا بكل حفاوة وترحاب في إذاعة وتلفزيون البحر الأحمر، هذه المؤسسة العريقة التي ولدت بأسنانها ويمتد بثها عبر الأثير لتصل أسماع المستمعين في السودان وخارج السودان، في جدة وأرتيريا، وحدودنا مع مصر.. للتعريف عن السودان ومجاهله التي لا يعرفها الآخرون، شهدنا حفاوة الترحاب وكرم الضيافة واجترار الذكريات لبعض الذين رافقونا في الوفد.. والذين وضعوا بصمتهم في إرساء دعائم هذه المؤسسة.. أو الذين كانت بداياتهم عبر بوابتها.. حيث كانت زيارة جميلة وأحاديثها ذات شجون. بالطبع لم يكتمل هذه النهار دون التمتع بمنظر البحر الرائع في منطقة سوق السمك.. بأبو حشيش "السقالة" والجميع يغسلون أرجلهم بمياه البحر المالح.. حتى يكون لهم هذا الفعل- الإغتسال- فألاً حسناً للعودة مجدداً للمكان.. كما تقول الأساطير المحلية. بزيارة النائب الأول لاستاد بورتسودان في هذه الأمسية الجميلة.. نكون قد اختتمنا فعاليات الزيارة والمهرجان.. وختامه مسك ودهشة وانبهار.. لوحات جميلة من طلاب الولاية، وأوبريت "القشو" أسطورة البحر.. نال قبول الحاضرين.. (تهشود) حكاية أبو مدية، حكاية من نسج الخيال يحبها الأطفال الصغار.. إلا أن التعليم والتطور في الولاية جعل الكثيرين لا يصدقون هذه الحكاية الخيالية عن عروس البحر وجنيته "تهشو"، إلا أنني مازلت أؤمن بوجودها.. جمالاً.. وواقعاً.. وأملاً.. للإنسان. بورتسودان .. ياحورية البحر الجنية.. يا "تهشو" السودان.