٭ أثناء فترة غيابي في دولة الإمارات ظل الفنان إبراهيم حسين يرفض أن يستلم أغنية من شاعر مهما كان جمالها، وكان يقول دائماً إن الشعر الحقيقي هو ما أكتبه أنا، أدت هذه الكلمات الجارحة إلى ابتعاد الشعراء عن حديقته الفنية، الشاعر مختار دفع الله ادعى أمام الفنان إبراهيم حسين أنه هاتفني في دولة الإمارات وقال إنه تسلم مني قصيدة موقعة باسمي مهداة إلى فنان «نجمة .. نجمة»، تسلم إبراهيم القصيدة باعتبار أنها من كلماتي بعد أيام كان قد أكمل تلحينها إلا أنه قبل أن يدلف إلى الاستديو لتسجيلها رسمياً للإذاعة السودانية لحق به الأخ مختار ليقول له إن القصيدة ليست من كلمات الحلنقي وإنما من كلماته هو، وأخيراً تحررت مشاعر الفنان إبراهيم حسين من عقدة «شاعر غيرو مافي». ٭ كان قائد أسطول الأغنية السودانية سيد عبدالعزيز من أكثر الشعراء قرباً إلى نفسي، شاءت الأقدار أن التقي به قبل أن تتحرك به السفينة إلى الضفة الأخرى من النهر، كان دائم الابتسامة، يضحك بصوت عالٍ متحدياً كل دمعة حزن، متمرداً عليها، كان حين يراني حزيناً يضع يده على كتفي ويقول ضاحكاً دعك من هذا الحزن الذي قتل من الورد ما قتل، وأضاف أنه ظل ممسكاً على خيوط رقيقة من الإشراق برغم دمدمة الأحزان في الخارج، كان رجلاً بكل ما تحمل هذه الكلمة، حين بلغه نبأ احتراق الطائرة التي كان يقودها ابنه في محمية الدندر بدأ «قائد الأسطول» يدخل في حالة من السرحان، دفعت به إلى الطرف الآخر من الشمس. ٭ نظر إليها وهي مكومة على سرير خشبي قديم وقد أخذت منها السنين ما أخذت ثم سرح بعيداً وهو يتذكرها صبية ضاحكة العيون طويلة الضفاير، كان يتبعها مثل ظلها لينال منها آخر المشوار ابتسامة عابرة، ثم توفي والدها ولحقت به والدتها بعد فترة قصيرة، فوجدت نفسها أمام مسؤولية ضخمة في تربية إخوانها، تقدم لها أكثر من رجل إلا أنها كانت ترفض دائماً، كان مستقبل إخوانها الصغار أهم لديها من كل شيء ،جاهدت معهم إلى أن تخرجوا من الجامعات ،على يدها تزوج منهم من تزوج وهاجر من هاجر ، الذي عذبني أن واحداً من إخوانها لم يعد يذكرها ولو بزيارة في عيد. ٭ أطلت عليه بعد غياب مستحيل لم يكن يتوقع أن يراها مرة أخرى، لم يكن يتخيل أن أيامه الخريفية العيون عاد إليها بريقها بعد أن تمت محاصرتها بحوائط من المبكى ، أطلت عليه لتدفع بها إلى ساقية من الأسى لا يهدأ لها أنين، ولا تنام لها عين ،أطلت عليه بعد أن تركته زماناً ينام ويصحو على جرح قديم، كان يتوقع أن ستائر من النسيان قد أسدلت عليه إلا أنه كان واهماً، وما أكثر الواهمين من قدامى المحاربين في دائرة العشق. ٭ قال لها هل تعلمين أن الموجة بلمساتها الرقيقة قادرة على تفتيت صخرة صماء، وأن الوردة قادرة على مواجهة أعتى الرياح إذا كانت مؤمنة بأنها لم تخلق إلا للتأمل فقط وليس للمتاجرة بما تحمله من عطر.. وأن المحبة قادرة على تحويل العداوة إلى ملامح طفلة صباحية الإبتسامة وأن التسامح قادر على الارتقاء بالإنسان إلى درجة تمكنه معها أن يلمس السماء.. وأن المستحيل يمكن أن يكون ممكناً لو تكرمتي أن أتأمل عيونك قليلاً عن قرب.