يشمل الأمن بمفهومه الواسع الاطمئنان والسكينة في مجالات الحياة العامة والخاصة على النفس والمال والعرض.. وهذا يتحقق باستقرار الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية فينصرف الناس آمنين إلى مجالات العمل المختلفة والمساهمة في عمليات البناء والتشييد. والمنشأة مكان العمل، سواءً كان إدارة أم مصنعاً، وما يحتويه من آلات ومباني سواءً كانت ملكية المنشأة حكومية أم أهلية أو مشتركة.. ويخضع أمن المنشآت للتنظيم الأمني، أي الشكل الذي تبدو فيه أي جماعة إنسانية لتحقيق هدف مشترك للجماعة، ولو كان التنظيم الأمني يهدف إلى الطمأنينة ضد أي خطر يمكن أن يقع على الأرواح والممتلكات وإلى وقاية المجتمع من شرور الجريمة ويسعى في ذات الوقت إلى جلب السكينة والهدوء، فإن ذلك لا يتحقق إلا من خلال المنع والأخذ بأساليب الوقاية الفعالة التي تحد من أسلوب الإخلال بالأمن، فقد عمدت الجهات المسؤولة عن الأمن إلى اتخاذ كل ما من شأنه مواكبة التطور المذهل الذي يشهده العالم بشتى أبعاده وفي مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والصناعية. ففي ظل التطور العلمي الذي يعيشه العالم انتشرت المنشآت العامة والخاصة التي يزيد من أهميتها ما تقدمه من خدمات لإشباع حاجات المجتمع المتعددة والمتجددة.. أصبحت تلك المنشآت عرضة للتخريب من قبل بعض الأفراد أو الجماعات التي استهدفت بأعمالها القضاء على مقدرات الشعوب، وتسعى إلى نشر الخوف وزعزعة الأمن والطمأنينة في المجتمع، ولمواجهة ذلك عمل المخططون في الأجهزة الأمنية على إنشاء وحدات أمنية متخصصة في الجوانب الهامة، فأنشئت قوات متخصصة في مشاكل المخدرات وطرق تهريبها، تعمل من أجل القضاء على تلك الآفة بما يناسبها من الوسائل الفعالة، وقوات أخرى تقوم بأمن وحماية الشخصيات الهامة في الدولة، وقوات أخرى لأمن الطرق الطويلة وقوات أخرى لمواجهة الإرهاب وتخليص الرهائن وخطف الطائرات. وأملت الضرورة قيام وحدات متخصصة في أمن البنوك المركزية والمصارف الهامة لما للاعتداء عليها من تأثير بالغ في اقتصاد الدولة، وتشعبت التخصصات الأمنية بقدر ما يتطلبه المجتمع من أمن واستقرار، وكانت المنشآت الهامة من الأماكن المستهدفة مما دفع (المخططين) للأمن إلى إنشاء وحدات متخصصة في أمن وحماية المنشآت الهامة، لا يقف تأهليلها عند فهم أساسيات الأمن والتدريب عليه فتنوع المنشآت الهامة وتعدد مصادرالخطر يفرض بلوغ مستوى من التدريب المتقدم في أمن وحماية المنشآت بشكل عام، ثم حماية المنشأة الهامة من واقع التخصص الدقيق في الأمن الذي تتطلبه المنشأة وتنفرد به حسب أهميتها عن بقية المنشآت، فالأمن الذي تتطلبه منشأة هامة يحتفظ فيها بالمعلومات، يختلف عن الأمن الذي تتطلبه مصلحة أخرى، لأن مصادر الأخطار التي تهدد أمن المعلومات دقيقة، ولابد أن يكون أمن المنشأة متنبهاً ومدركاً لتلك الأخطار ويعي كيفية ضبط الوسائل ذات التأثير على أمن المعلومات، فلابد من تدريب رجال أمن المنشآت على أحدث الأجهزة الفعالة في مواجهة الأخطار التي تهدد الأمن في تلك المنشأة، وتزويدهم بالمستجدات في العالم من وسائل وأساليب في أمن المنشآت المماثلة. ومهما كانت التجهيزات التي تستعمل في الأمن حديثة، فأنه لا يستغنى عن العنصر البشري الذي له دور واضح من حيث حسه الأمني وقدرته على التنبوء بالحالة الأمنية في ظل ما يحيط به من متغيرات واستشعار بالأمور غير العادية وتخوفه من الأمور الخطيرة، فيحتاط تحسباً لظهور الخطر، أويشك في ظهور أمر يدعو إلى الريبة فيسعى إلى أخذ الحيطة بالوسائل اللازمة وقد يعمد رجل الأمن بملاحظته إلى رصد حركة أو ظاهرة فيكشف مصدر خطر يهدد المنشأة - إذ يتميز الإنسان بقدرته على التحليل فيستطيع التأمل والربط بين عدة ظواهر ويفسر ما تعنيه من دلالات وتشير إليه من احتمالات تسهم في النهاية في التصدي لمنع الجريمة.هذا كله يجعل من الإنسان الركيزة الأولى في أمن وحماية المنشآت الهامة.. ولابد من اختياره حسب المؤهل العلمي المطلوب وتمتعه بالصفات الشخصية المناسبة واجتيازه اختبار الذكاء واللياقة والكشف الطبي.. ثم يأتي دور الإعداد والتدريب على أمن المنشأة التي يقوم بحمايتها وتعليمه على مواجهة الأخطار التي تهدد أمن ذلك النوع من المنشآت، وإطلاعه على الإحصائيات لمعرفة ما يهدد المنشأة من أخطار والسعي لتزويده بالجديد في العالم في مجال الأجهزة الحديثة التي تعين على مواجهة الأخطار المحتملة، وتدريبه على كيفية استخدامها، أو في مجالات التدريب المتطور على مواجهة حالات الطوارئ سواءً كانت طبيعية أم من فعل الإنسان.ويعتقد خطأ من يظن أن أمن المنشآت الهامة يقتصر على حارس وسلاح ووجود مستمر فقط، بل لابد من التخصص، في الوقت الذي تتطور فيه أساليب الجريمة وتدرس قبل تنفيذها من كل الجوانب، وربما كان من عوامل نجاح المجرم في تنفيذ الجريمة دراسته المتمعنة لحالة الأمن في المنشأة الهامة ومعرفة نقاط الضعف التي يمكن استغلالها، فيجد الاختراق سهلاً ويتحقق له بلوغ هدفه المقصود. بواء شرطة متقاعد مدير إدارة المباحث الجنائية المركزية الأسبق