لا تزال حالات الاعتداءات المتكررة والمتواصلة على الأطباء والكوادر المساعدة تراوح مكانها، ومثلث الحادثة الأخيرة والتى وقعت في حوادث أحمد قاسم الدليل البائن على وجود هذه الظاهرة، والتي انتشرت مؤخراً بصورة تكاد تكون شبه يومية، فما الذي يجعل والد أحد المرضى يخرج عن طوره ويقوم بضرب المدير الطبي؟ قطعاً هناك أسباب دعت لذلك، ولكن لا يمكننا بأي حال من الأحوال وصفها بسوء السلوك من ناحية الأب المكلوم، وفى إعتقادي- ومن واقع الحال بمستشفياتنا- فإن صورة التعامل بين ذوي المرضى والكوادر الطبية يشوبها الكثير من حالات الشد والجذب، فالحالة النفسية وضغوط الحياة والعمل، تمثل القاسم المشترك بين الجانبين، فالزائر أو المرتاد للمستشفيات المختلفة يلحظ ومنذ الوهلة الأولى التعامل غير الكريم الذي يفرضه البعض مع المرضى وذويهم، أضف الى ذلك العنجهية والبرود وعدم التفاعل مع الحالات المرضية المستعجلة، أو تلك التي يراها أهل المريض بالمزعجة والإنشغال عنها بالأحاديث الجانبية، أو الواتساب أو الضحكات بين الأطباء فيما بينهم، أو التلاعب بالموبايل والدردشات، هي التي تدفع بذوي المرضى بالخروج عن الحالة الطبيعية، واللجوء إلى تصرفات شاذة كالضرب أو السب أو خلافه، وقد شهدت واقعة كان مسرحها إحدى المستشفيات بجنوب الخرطوم، حيث قام أحد المواطنين بسب الاختصاصى بصورة نابية ومقززة والدموع تملأ عينيه، وعندما حاول بعض الأجاويد تهدئته من ثورته تلك، فاجأنا الأب المكلوم بابنته التي لم تتجاوز عامها الثالث ويدها تتدلى نتيجة الكسر الذي أصابها في مشهد مؤلم، حيث أوضح الأب بأنه فشل في علاجها منذ شهور، وهو يدفع ويدفع دون نتيجة إيجابية، وماجعله يخرج عن طوره أن الإختصاصى أجرى لها عمليتين دون نجاح يذكر، وأخيراً طالبه بإدخال الصغيرة لغرفة العمليات لإجراء عملية (مسطرة)- أي ورب العالمين هذا ماحصل بالضبط، فهل يعقل أن نصف حالة الأب حيال تصرفه بأنه سوء سلوك كما قالت بذلك إحدى الطبيبات في تعليقها على حالة مستشفى أحمد قاسم؟!! بل طالبت بزيادة الكادر الأمنى بالمستشفيات لحماية الأطباء.. والله أن المرء ليحزن أن تصل الأحوال بالمستشفيات لدرجة زيادة الكوادر الأمنية، والتي لم يكُ لها وجود في الماضى فقط (الخفير) الذي يحرس الباب، ورغماً عن ذلك لم تحدث مثل هذه الأشياء والتي في إعتقادي كانت بسبب التعامل الذي كان سمته الاحترام المتبادل بين كافة الأطراف وتحمل المسؤوليات، فالمستشفيات أيتها الطبية لا تؤمن بزيادة الكوادر الأمنية لحماية الأطباء. المستشفيات تؤمن بمراعاة حقوق المريض وأهله ومساعدتهم قدر الامكان في تجاوز محنتهم بالاهتمام الكافي، وتقدير المسؤولية والابتعاد عن الاستفزاز والعنجهية والترفع..