بعد غياب نحو ثلاثين عاماً.. ذهلت من التغيير الذي طرأ على العاصمة المثلثة. وحسب ما كنت أتابع القناة السودانية.. قلت إن أموراً كثيرة قد تبدلت طوال هذه الفترة الطويلة .. ذلك لأني خرجت من السودان قبل قيام ثورة الإنقاذ، بادئ ذي بدء فوجئت عندما وطئت قدماي أرض الخرطوم أن المدينة نظيفة أنيقة.. بعكس ما كان يروج هنا.. أن الخرطوم ما هي إلا مقلب نفايات.. عندما قدمت أم درمان الجديدة (امبدة) المدينة التي أقطنها تملكتني الدهشة قلت معقول هذه أمبدة التي عهدتها جدرانها متهالكة آيلة للسقوط وحفر وخرابات أصبحت عمارات منتصبة و فلل أنيقة وبيوت تزينها الأشجار والنخيل الباسقة وأشجار الفواكه.. والأسواق والسوبرماكت والمطاعم الفاخرة والمولات.. ذلك أيضاً في الخرطوم وبحري .. لقد رأيت مولات على الطراز الأوربي .. لقد عجبت للدوروشاب التي كانت فيما مضى عبارة عن خرابات وجدران مهدمة وشوارع عبارة عن أكوام تراب.. رأيت العمارات تشرئب فيها والفلل تزدان.. مررت بطريق الثورات أم درمان الحتانة حتى كوبري الحتانة.. تعجبت عندما التفت يمنة ويسرى.. أرى العمارات تنصب وأسواقاً تنتشر وسوبرماركتات زاخرة بالبضائع.. أنا لا أنكر أن هناك بيوتاً مبنية بالطين ورواكيب ولكنها في مقبل الأيام لا محالة إلى زوال. إن ما يروج في الخارج من أن العاصمة المثلثة تعج بالنفايات والقاذورات محض افتراء لا أساس له من الصحة.. لقد رأيت عمال النفايات باليونيفورم ينتشرون هنا وهناك.. والعربات المخصصة للنفايات تجوب الشوارع في كل الأحياء والأنحاء. والحق أقول لكم .. إن الذي دعاني لكتابة هذا المقال شيء واحد فقط .. هو أنني لم أرَ شحاذاً واحداً في العاصمة المثلثة كلها .. لقد طفت بالخرطوموأم درمان وبحري .. لقد جبت الأسواق ومحطات البصات وأكبر المساجد مسجد الشهيد ومسجد كافوري ومسجد جبرة.. في الوقت الذي ترى فيه جيوشاً من الشحاذين في بعض دول الخليج الغنية في الشوارع والإشارات.. فضلاً عن المساجد والأسواق .. حتى في دول أوروبا وأمريكا كنت في ما مضى أعمل في السفن رأيت في أمريكا يتسولونDaim وهو عشر الدولار you get a daimوكنت في لشبونةالبرتغال كنت أجلس في مقهى فأتاني متسول يمد يده فنفحته عملة معدنية في حجم الفريني.. فالتفت إلى أحد الجالسين بجواري قائلاً.. إن المبلغ الذي أعطيته هذا .. مبلغ كبير .. لقد ضمن ما سوف يتعاطاه من الخمر .. أما في الهند وبنغلاديش وسيرلانكا فحدث ولا حرج .. ليس معنى هذا ليس هناك شحاذين في الخرطوم ربما هناك في أماكن .. خصوصاً أنني مكثت في الخرطوم أكثر من شهر ونصف.. لقد أعجبت أيما إعجاب بالعمران و الطرق والكباري والأنفاق والحدائق والساحات الخضراء .. إن الذي دعاني للكتابة هو حبي لله والرسول وحبي للإسلام وشريعة الله الغراء وكنت أشتبك مع كل من ينبس ببنت شفه عن حكومة الإنقاذ الإسلامية .. إلا الذين كانوا مثلي وغسلوا أيديهم من النظام القائم.. إن السودان والسعودية هما البلدان الوحيدان اللذان يطبقان الشريعة الإسلامية على وجه الأرض في عالم يعج بالعلمانية والشيوعية الاشتراكية.. نظم وضيعة ظالمة جائرة فاسدة تحارب العدالة وحقوق الإنسان جهاراً نهاراً.. فعندما أجد بصيص ضوء أو بصيص أمل في تطبيق شرع الله .. أنحاز إليه ولو كان ذلك بمقدار 50 %.. لأن الغالبية العظمى من الأمم اليوم لا يعرفون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .. كذلك حتى الدول التي سميت بالإسلامية قال الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز لولده المتعطش لتطبيق الشريعة الإسلامية بحذافيرها.. نحن الآن في طور نحيي سنة مقابل طمس بدعة.. نحن لا نريد أن نحملهم الشريعة دفعة واحدة فيتركوها دفعة واحدة.. وذلك ما نراه الآن من حوار وطني ينتظم البلاد.. إلغاء الجهويات والعنصريات ومحاربة الفساد. أنا أريد أن أتحدث عن بعض الممارسات الخاطئة.. تحدث في بعض المحليات واللجان الشعبية والمؤسسات الحكومية.. ذلك على سبيل المثال وقفت على بعض المحليات واللجان الشعبية.. عندما تسلم المخصصات المالية من ديوان الزكاة وكذلك ماكينات الخياطة وعجلات المعاقين والركشات.. هذه اللجان الشعبية بدلاً من صرف الأموال والآليات لمستحقيها المساكين يدفعون لهم مالاً يتجاوز أربعمائة جنيه وأقل من ذلك.. ويستأثرون بالأموال والآليات لأنفسهم.. وإذا احتج أحدهم أو اعترض يهدد بشطب اسمه من القائمة نهائياً وكاميرات التلفزيون تنقل الاحتفال زوراً وبهتاناً.. وربما ينسحب هذا على الشقق الفاخرة التي تم توزيعها مؤخراً بواسطة الرئيس المشير.. وكان ذلك في احتفال جماهيري تم نقله عبر التلفزيون القومي وسلمت مفاتيح الشقق .. إن ديوان الزكاة يقوم بواجبه وكذلك وزارة الإسكان وأيضاً الحكومة.. ولكن المصيبة أن هذه الأموال والمعينات تقع في أيد خبيثة تجيد لعبة الملوص ببراعة فائقة. الرياض السعودية