اليوم... نفرد اليومية لنتحدث عن الانضباط الذي ظل الهم الشاغل لكل الشعوب، ونعاني منه كثيراً في بلدنا الحبيب... فلنبدأ بالانضباط المالي لقد درج الأستاذ الهندي عز الدين، وفي عموده (شهادتي لله) بالتطرق لهذا الموضوع المهم، ذلك حتى قبل ساعات قلائل... وظل دوماً يذكر كلمة حق ويشيد ويثني على عهد العالم الجليل الدكتور عبد الوهاب عثمان- طيب الله ثراه- ولعلني أدخل معه في مداخلة أحسبها مفيدة... ففي بدايات عهد د.عبدالوهاب عثمان كون لجنة كانت معنية بالانضباط المالي ... فيما يختص ليس بالتجنيب فقط في الإيرادات وإنما كان هناك تفويض للوحدات الإيرادية لتصرف من مواردها دون أن تورد في الحساب الرئيسي في وزارة المالية ... فقط توريد الفائض بعد أن تستوفي كل الصرف، إضافة الى ذلك الاعفاءات التي كانت تعطي لمنشآت دون الحق القانوني، وأثر ذلك على الأداء المالي بشكل مجمل وأثره الأكبر على سعر الصرف وعجز الموازنة... اللجنة خرجت بحزمة توصيات (45 توصية) في جميع مناحي الاداء بما في ذلك الهيئات والمؤسسات، وصيغة في شكل قرارات وزارية، ومن أهم التوصيات لجنة الموازنة الاسبوعية التي تبرمج اسبوعياً للصرف وفق الأولويات، ومن التوصيات المهمة أيضاً تلك التي أبقت على استقرار النظام الاقتصادي، وظل سعر الصرف مستقراً لفترة طويلة من الزمان، ولعل رئيسها لا يزال موجوداً مولانا أحمد المفتي ومقررها الأستاذ حافظ عطا المنان ولعلهم يفتون أكثر مني... أيضاً تطرق الأستاذ الهندي، وذكر أن الرئيس الراحل جعفر نميري عندما تعرض الاقتصاد السوداني لهزة خفيفة في تلك الأيام، أوقف الرئيس نميري الطيار الآلي وقاد الطائرة بنفسه كوزير للمالية... نعم تم ذلك في منتصف السبعينيات ولعل مدير مكتبة مايزال موجوداً الأستاذ معاوية بشير أحد أبناء المالية الكرام، الذين كان يشغل موقع مستشاراً للجنة الفنية للتصرف في مرافق القطاع العام (الخصخصة) حتى قبل أسابيع قليلة... وقد شغل من قبل منصب المستشار الاقتصادي لسفارتنا بالعاصمة الألمانية بون... هذه هي المانيا التي لايوجد فيها مواطن واحد لا يحفظ أغنية إشارة المرور التي تقول كلماتها البسيطة... حمراء اقف... صفراء استعد... خضراء أعبر... وعن بون وعن المانيا وعن الانضباط ... تابعوني في مايلي ... القارئ العزيز: في محاضرة في الثمانينيات وبمعهد الدراسات الدبلوماسية بالقاهرة، ألقاها الأستاذ مرسي سعد الدين الإعلامي المصري الشهير ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات (وزارة الإعلام)، في تلك الأيام على مجموعة من دارسي الإعلام والعلاقات العامة من السودان، وقد كانت عن دور العلاقات العامة في الانضباط... تناولت المحاضرة مايلي: بعد أسابيع من اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات وصلت الى هامبوردج بالمانيا... السيدة جيهان السادات.. وابنتها جيهان لتقديم الشكر للمستشار الألماني السابق وقتها هيلموت شميت على الموقف الذي اتخذته الحكومة الالمانية، بعد حادث الاغتيال في ظل حكم المستشار وتقديم الشكر الخاص لشخص المستشار على برقية العزاء التي كانت قد وصلتها منه علاوة على الكلمة التي قطع التلفزيون الالماني إرساله لاذاعتها والتي قال فيها إن العالم بعد اغتيال السادات أصبح أكثر فقراً.... وبعد هذه الزيارة لهيلموت شميت وزوجته (لوكا) بمنزله في هامبوردج.. استقلت الطائرة الالمانية في طريقها الى بون لزيارة صديقتها الدكتورة عائشة راتب... سفيرة مصر في العاصمة الألمانية القديمة بون.... جلست السيدة جيهان وابنتها ومساعدتها فوق ثلاثة مقاعد بالدرجة الأولي.. وفجأة صعد المستشار شميت الى الطائرة متجهاً الى مقعده بالدرجة السياحية ... ووقفت السيدة جيهان لتحيته .. مشيرة لابنتها بالانتقال لمقعد آخر بجانب مدام صادق... كي يشغل المستشار شميت المقعد بجانبها.. وجلس شميت بالفعل ودار بينهما حديث ودي استمر بضع دقائق الى أن جاء مضيف الطائرة، يطلب من المستشار شميت الانتقال لمقعده بالدرجة السياحية، وهز شميت رأسه بالموافقة دون أن تتبين السيدة جيهان السادات.. مغزي الحوار الذي جرى باللغة الألمانية... بعد دقائق وصل المضيف مرة أخرى يكرر الحوار الى أن أطل قائد الطائرة بنفسه على المشهد، وقال للمستشار شميت لقد حان وقت الاقلاع، ولا استطيع الاقلاع بالطائرة قبل أن تنتقل لمقعدك بالدرجة السياحية.. في هذه اللحظة اتجهت السيدة جيهان السادات نحو مساعدتها التي تتحدث الألمانية، وسألتها عما يجري فيما يشبه الأزمة.. وعرفت تفاصيل الحوار، فبادرت بمخاطبة قائد الطائرة باللغة الانجليزية، وقالت له إنه سيشغل مقعد ابنتها جيهان، وأن جيهان سوف تشغل مقعده بالدرجة السياحية، وطلبت من ابنتها الاتجاه نحو مقعد شميت وهمت الابنة بالاستعداد لتبادل المقاعد ... إلا أن قائد الطائرة رفض هذا الحل قائلاً في حسم.. إن للسيد شميت مكانه بالدرجة السياحية وعليه أن ينتقل لمقعده فوراً حتى يتسنى لنا الإقلاع... وهذا هو ما حدث بالفعل وقام المستشار شميت وصافح السيدة جيهان السادات... شاكراً لها موقفها واتجه نحو مقعده بالدرجة السياحية، واغلقت الأبواب وانطلقت الطائرة الى أن هبطت بمطار مدينة (كولونيا) وهو أقرب المطارات الى العاصمة القديمة بون.. وتناقلت الأنباء ما جرى خلال الرحلة... بالدهشة لأن الحادث وقع لواحد من أهم ساسة المانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وهو رئيس لأقوى الأحزاب السياسية وهو الحزب الاشتراكي الديموقراطي وهو قبل ذلك كله هيلموت شميت صاحب الكلمة المسموعة على مستوى العالم.. وكانت هذه الواقعة التي اعتبرها العالم تجسيداً لثقافة الانضباط في المجتمعات الراقية التي أفرزت التقدم في كل مجالات الاقتصاد والمال والسياسة والإبداع من باب الحديث عن الانضباط وثقافة الانضباط المطلقة بين البشر الذين يتم التعامل معهم كأسنان المشط ... وعن الانضباط حملت الأنباء من كوريا الشمالية بان رئيسها المهوس ابن الرئيس المجنون حفيد الرئيس المحبوب لملياري نسمة كيم جيم سونج قد أصدر توجيهاً للسلطات، بوضع الرشاشات الآلية الاوتماتيكية في إشارات المرور لتنطلق فوراً صوب اي عربة يتخطى سائقها إشارات المرور ... والله نحن محتاجين بشدة لمثل هذه الرشاشات.... لعل القراء الكرام يتذكرون يوميتنا الأخيرة عن التأمين والتعويضات، والقرار الذي تم تأجيله وارتياح الشارع مؤقتاً حول ذلك على أمل أن ينضبط شركاء الطريق من سائقي المركبات وبالتحديد العامة، ويخافون الله في البشر الذين نحن حقيقة في حاجة لاستثمار رأسمالنا البشري بصورة أفضل لإيجاد مجتمع جديد يتمتع بالانضباط والأخلاق الفاضلة التي نباهي بها الأمم الراقية... يوم القيامة ...الله اكبر ....،،،0912304336