تفاجأ نواب البرلمان أمس الأول بوزير رئاسة مجلس الوزراء أحمد سعد عمر وهو يتأبط أوراق قانون مكافحة الفساد الذي أودعه البرلمان منضدة رئاسة الجمهورية بعد مداولات ساخنة حوله، ولسان حال سعد يقول للنواب هذه بضاعتكم ردت إليكم بعد أن أبدى رئيس الجمهورية بعض الملاحظات على القانون، لاسيما المادة 25 منه التي تجوز لمفوضية مكافحة الفساد التحقيق مع أي مسؤول دون اتباع إجراءات رفع الحصانة، الرئيس رفض التوقيع وبرر لرفضه، البرلمان بدوره سارع بتكوين لجنة لدراسة تحفظات الرئاسة مما فتح الباب واسعاً للتكهنات لمرحلة ما بعد رفع اللجنة البرلمانية لتقريرها، هل سيعدل النواب القانون وفقاً لملاحظات السلطة التنفيذية أم ستجيز القانون بصورته الحالية بأغلبية النواب؟ بلاغات كيدية وقبل الإجابة على السؤال الافتراضي فإن الغريب في الأمر أن المادة محل الملاحظات جاءت هكذا مدرجة في متن مشروع القانون من وزارة العدل، ولم يتحفظ عليها مجلس الوزراء خلال مداولاته حول القانون، لذلك فإن المجلس الوطني لم يتوقف عندها، وتمت إجازة القانون بهذه المادة التي تحفظت عليها رئاسة الجمهورية، وأعادت بسببها القانون إلى المجلس الوطني مرة أخرى، وربما كان دافع رئيس الجمهورية في إرجاع القانون إلى البرلمان لدواع حماية هيبة الدولة وإغلاق الباب أمام أي محاولات للنيل من أي موظف عام يتمتع بحصانة، سواء أكانت إجرائية أو موضوعية، منعاً للبلاغات الكيدية لأصحاب الوظائف الحساسة إن حامت حولهم شبهات بالفساد، وتتمحور ملاحظات رئيس الجمهورية التي تلاها وزير رئاسة مجلس الوزراء أحمد سعد عمر، وقال إنه وبعد الإطلاع على مشروع القانون لوحظ أن المادة 25 منه تجوز محاكمة المسؤوليين في الدولة دون اتباع الإجراءات المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية والقوانين الأخرى المتعلقة برفع الحصانة، وأضاف خلال تلاوته لملاحظات الرئيس أمام النواب أمس الأول أن الحصانات عبارة عن قيود إجرائية قانونية معمول بها في العديد من الدول، كما أن النص عليها في القانون لايعني المنع من المساءلة بصورة مطلقة . تساؤلات مشروعة ولم يكن أمام النواب من خيارغيرتكوين لجنة لدراسة هذه الملاحظات ورفع تقرير مفصل عنها والتداول حولها، بيد أن الخبير القانوني نبيل أديب المحامي استغرب الملاحظات التي تلاها وزير رئاسة مجلس الوزراء، وتساءل هل يملك الشخص الذي بيده رفع الحصانة عن منسوبيه أن يمنع عنه مواجهته ببلاغات كيدية ؟ سؤال يجيب عليه أديب نفسه بعد الإقرار بوجود مثل هذه البلاغات لكنه يلفت إلى إمكانية عمل تحري أولي من قبل النيابة قبل أن تشرع في تحرير شكوى جنائية أو فتح بلاغ جنائي في مواجهة من يتمتع بحصانة أياً كان نوعها إجرائية أو موضوعية، ويضع أديب يده على الأزمة التي يعاني منها من يعملون في مهنة القضاء الواقف، عندما يدفع بهم القدر إلى تولي ملف قضية تستوجب مقاضاة من يتمتع بحصانة، ويقول إن المشكلة تكمن في أن أمر رفع الحصانة موكل إلى جهة غيرعدلية، وهي نفس الجهة التي ينتمي إليها من يتمتع بالحصانة والمشكو ضده، فبالطبع إن هذه الجهة تكون أقرب إلى حماية منسوبها من تحقيق العدالة، ما يعني ضياع حق الجهات المجني عليها أو المدعية لحق تريد أن تعيده عبر القضاء بتحرير دعوى أو شكوى تستوجب رفع حصانة المشكو ضده، أو المدعى عليه . خيار برلماني وليس ببعيد عن موقف البرلمان تقف نقابة المحامين المعنية بقضايا التشريع حيث أكتفى نقيب المحامين مولانا الطيب هارون بالقول سندرس القانون وتحفظات الرئاسة حول بعض ما ورد في القانون، وذات الأمر قال به مصدر برلماني للصحيفة إن نواب البرلمان ليس أمامهم من خيار غير تعديل المادة مكان تحفظ الرئاسة، بيد أن نبيل أديب يرى أن للبرلمان الحق في إجازة القانون دون الالتفات للتحفظ الرئاسي، ويمكن أن يحسم الأمر بالتصويت تحت القبة، ويسري رأي الاغلبية، ويضيف أديب أن الممارسة الفعلية أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن هنالك إبطاء في رفع الحصانة، لذلك فإن الواجب يحتم على الجهات ذات الصلة بإجازة القانون أن ترجح مصلحة عدم ضياع الحق بالتأخير أو المماطلة والتسويف على حماية منسوبي بعض الجهات التي يتمتع أفرادها بحصانة أقرب للصواب وفيما يبدو أن الحديث عن حماية بعض الجهات لمنسوبيها أقرب إلى الصواب، وهي بالطبع ناتجة عن الانحياز والعصبية المهنية، بيد أن تحقيق العدالة من شأنه أن يصون سمعة تلك الجهات التي تسعى لحماية منسوبها الذي ارتكب جرماً شخصياً على فئة من الناس تتحمل تبعاته الجهة التي ينتسب إليها، ثم يحصبها المتضررين بكلمات تتهم الجهة بكاملها بالفساد والتستر عليه، ولكن المعالجة لهذه القضية تبدو ممكنة حسبما يرى النائب البرلماني والخبير القانوني محمد الحسن الأمين، حيث دفع بمقترح لمعالجة قضية التعصب للمنسوب والسعي لحمايته وقال ل(آخر لحظة) بإمكان الرئيس أن يصدر توجيهات عامة إلى كل الجهات التي يتمتع منسوبوها بحصانة تقضي بالإسراع في البت في الطلب المقدم للجهة ورفع الحصانة بأعجل ما تيسر عن منسوبها، ودافع الأمين عن ملاحظات رئيس الجمهورية حول المادة 25 من قانون مكافحة الفساد، وقال إن البرلمان ناقش القانون ووجد هذه المادة مدرجة من الجهات التي أعدت مشروع القانون ولم يتدخل البرلمان في نص المادة، ودفع بالقانون إلى رئيس الجمهورية بمادته محل النقاش، ويضيف الأمين بقوله لكن رؤية الرئيس منطقية إذ من غيرالمعقول مواجهة نافذين في الحكومة ببلاغات جنائية، هكذا وتنفيذ أوامر القبض عليهم وايداعهم الحراسات فالأمر متعلق بجهات لديها احتكاك فيما يبدو بالمال العام والقانون يحاسب المتلاعبين بالمال العام، وهم في الغالب جهات لديها حصانات من مدراء إدارات ووزراء وغيرهم . ويشيرالأمين إلى أمرين أحلاهما مر، فرفع الحصانة يسبب مشكلة وتركها يجعل القانون يفقد آثره، ويرى أن تترك الحصانات بضمان تنفيذ توجيهات رئيس الجمهورية للجهات التي تمتلك رفع الحصانة بسرعة البت فيها، ورفع الحصانة عن منسوبيها .