صباح الخميس الماضي كنت أتابع بشغف برنامجاً على الهواء أفلح في إبقاني قيد تشويقاته حتى فوجئت بموسيقى حزينة تقطع الإرسال وتغير نبرة المذيعة، لتنهي للناس خبراً قاتماً محزناً مفاده رحيل الشاعر والصحفي الإعلامي الأستاذ سعد الدين ابراهيم عليه رحمة الله ..دارت الخواطر متسارعة حول الاسم )سعد الدين ابراهيم(.. تاريخ ناصع من (الإنسانيات) والمعارف والمواهب والعطاء الباذخ عبر الكلمة الأليفة الأنيقة، التي تبدو وكأنها أنشودة تنساب من أفواه كل الناس لا من قلمه فقط. احتفظت باحترامي لهذه الإذاعة فبقيت معها تدهشني بتعاملها وهي تتصرف مع فورية الحدث بسلاسة في الانتقال وبمعلومات حاضرة وإلمام دفيء بطبيعة الأحداث المفاجئة تعضده مهنية إعلامية ظاهرة.. كانت قبل أن يداهمها الخبر الحزين قد أفاضت القول عن استقبال شهر رمضان المبارك هكذا مبكراً، مبشرة بسلوكياته المنقذة للناس مما هم فيه من ضيق وغفلة.. توسلت بتراث دارفور الرمضاني الحافل باليقين والتنوع والثراء.. مربية حكيمة لطيفة تبث نداءاتها بثقة ونبرة امومة ..مشارك من نيالا يغري الناس بشد الرحال اليها في رمضان ليهنأوا بصومهم عبادة وتغذية وكرماً.. عجبت لذلك فما احوج دارفور لعهدها الأول، كرماً وشهامة وتراويح، فذلك هو الأمان.. شكراً إذاعة دارفور، عجبت كيف تواتر الحديث عن روح رمضان ليفيض سكينة على من تلقوا الخبر الحزين على التو. فوجئت بحديث يفيض عن سيرة الراحل العزيز، تراثه الإبداعي وصلته بدارفور واذاعتها وصحيفتها)المحمل) والكوادر الإعلامية التي أحاطت به فما بخل بعطائه.. كل ذلك انساب على الهواء مباشرة مما أوقعني تحت تأثير ما تركه الراحل من نفع للناس في أجل الميادين، الثقافة والابداع والذكرى الطيبة.. أنه يهبنا السلوي في فقده الذي داهم كل دوائر الإبداع في البلاد.. لقد راقتني مبادرة الإذاعة بتعديل برمجتها بذكاء وموضوعية وحميمية، فنفس الطاقم ومن وراؤه من معدين وفنيين هم الذين اتوا ببرمجة مفاجئة وعلى خير وجه وانبل مردود.. فبرغم انعكاس الحزن على بيئة الاستديو إلا أن الإذاعة التزمت جانب الفورية والتفاعلية كصفتين مهيمنتين على كل الإذاعات والقنوات ووسائط التواصل.. لقد كان تأبيناً حفياً يناسب مقام راحل صفته الإبداع والتميز والتلقائية والتواضع وحب الناس. أو هكذا عرفت راحلنا العزيز من خلال الصحافة والتلفزيون وأعماله الاذاعية الشاهقة ..تحتار الكلمات في الوفاء بحقه في تجاسر الحزن على فقده ليثقل القلوب، اللهم اخلف على البلاد بالبارين بها..( ود بلد) متسامح متفائل منتج .. كلمات صادقة سخية تنساب في حقه.. فلحظة نعيه استدعت المذيعتان سيرته الحافلة.. وصف بانه كان(خلطة) من الخصائص.. مفردة تحتضن حزمة من المعاني المحتشدة طي اسمه، التوازن، التنوع، المهارة، التشويق والتواضع .. هكذا عرفناه، وجربناه.. رائع حقاً أن يعرفه جيل نابه يتحلى بثقافة واصلة وتواصل مثقف خلف هذه الإذاعات الوليدة، المعززة بمعرفة(الناس العزاز).. كان متواصلاً مع جيل اليوم نثراً وشعراً والهاماً و(تطييب خاطر) ..ينصف الجدل باريحيته في التعامل.. لم ينقطع تلاقينا مع تواتر الأزمنة والظروف، مدار حديثنا دائماً سيرة من يضربون المثل في عبقرية التجرد (ما دايرين غير حقهم(.. هو نفسه (ما كان عنده غرض في متاع الدنيا)..(سعد الدين) نسخة واحدة أصلية ..متجددة.. شهدت له أياما خصيبة بالتلفزيون عبر برامج تزدهي بروح التعاون الكامنة فيه.. سعيت إليه بأفكار لمناسبات قومية وروحية فوجدته كأنه كان بانتظاري.. مرحباً ومشجعاً لتبقى إبداعاته وتتكرر عبر الشاشة.. فيض من انتاجه المتنوع يبقى من بعده.. يذهب المبدع ويبقى أثره بين الناس .. هذا هو العزاء. وللحزن بقية: .. بعد أن كتبت هذا رجعت لأوراقي القديمة)الصحافة،17 اكتوبر 2006 (..تصورت أني اقرأ لأول مرة هذه الكلمات (أخي وصديقي وغرة عيني عبدالسلام)..ثم يسدي الشكر(لأنه جاب اسمي في الكتاب بجانب عمالقة مثل محمود ابوالعزائم، وانيس منصور)..أما عن الكتاب (تأملات في الناس والحياة )فيقول( أعاد لي ذكريات حلوة، وحلق بنا في مواضيع شتى، يحمل آراء حلوة وجريئة وبسيطة تستحق الوقوف عندها.. قد نتفق مع أطروحات عبدالسلام وقد نختلف لكنك ستقرأ كلمات رصينة وحساً ممراحاً ومفردات لطيفة). .. سنفقد في سعد الدين مثل هذا الإحساس تجاه الآخرين، فضلاً عن (طلته) وطابعه كإنسان ..إنه برغم وبرغم تجده غارقاً في)هداوة بال)..(طيب خاطر).. و(سماحة نفس) ليوزع عطاياه وصفاءه على كل الناس، من الاستديو الى الحافلة. .. نعزي أسرته وهي موصولة بفضائل التربية والتعليم.. سيرته تكفي سلوى للجميع. ..بحثت عن من أبادله التعزية فتذكرت)هلاوي)..(جاهين( السودان، أو هكذا كرمه سعد. .. اعتدت أن أحادثه ليلاً، أطيل ثم اعتذر للأسرة فيبادرني بطيب خاطر(هم يعرفون مع من الفضفضة.. ومطمئنون ..( رحمك الله يا سعد الدين وأنزلك منازل«النفس المطمئنة.»